غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء (40) قال رب أجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار (41) لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء طمع حينئذ في الولد وإن كان شيخا كبيرا قد وهن منه العظم واشتعل الرأس شيبا وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرا لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفيا وقال " رب هب لي من لدنك " أي من عندك ذرية طيبة أي ولدا صالحا إنك سميع الدعاء. قال الله تعالى " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب " أي خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته وهو قائم يصلي في محراب عبادته ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته. ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة " أن الله يبشرك بيحيى " أي بولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى. قال قتادة وغيره: إنما سمي يحيى لان الله أحياه بالايمان. وقوله " مصدقا بكلمة من الله ". روى العوفي وغيره عن ابن عباس وقال الحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وأبو الشعثاء والسدي والربيع بن أنس والضحاك وغيره في هذه الآية " مصدقا بكلمة من الله " أي بعيسى ابن مريم. وقال الربيع بن أنس: هو أول من صدق بعيسى ابن مريم. وقال قتادة: وعلى سنته ومنهاجه.
وقال ابن جريج: قال ابن عباس في قوله مصدقا بكلمة من الله قال: كان يحيى وعيسى ابني خالة وكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه له في بطن أمه وهو أول من صدق عيسى وكلمة الله عيسى وهو أكبر من عيسى عليه السلام وهكذا قال السدي أيضا.
وقوله " وسيدا ". قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم: الحليم وقال قتادة: سيدا في العلم والعبادة. وقال ابن عباس والثوري والضحاك السيد الحليم التقي: قال سعيد بن المسيب: هو الفقيه العالم وقال عطية: السيد في خلقه ودينه وقال عكرمة: هو الذي لا يغلبه الغضب وقال ابن زيد: هو الشريف وقال مجاهد وغيره هو الكريم على الله عز وجل.
وقوله " وحصورا " روي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وعطية العوفي أنهم قالوا: الذي لا يأتي النساء. وعن أبي العالية والربيع بن أنس: هو الذي لا يولد له ولا ماء له. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن المغيرة أنبأنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس في الحصور: الذي لا ينزل الماء وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثا غريبا جدا فقال: حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب البغدادي حدثني سعيد بن سليمان حدثنا عباد يعني ابن العوام عن يحيى بن سعيد عن المسيب عن ابن العاص - لا يدري عبد الله أو عمرو - عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " وسيدا وحصورا " قال: ثم تناول شيئا من الأرض فقال " كان ذكره مثل هذا ". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ليس أحد من خلق الله لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا ثم قرأ سعيد " وسيدا وحصورا " ثم أخذ شيئا من الأرض فقال: الحصور من ذكره مثل ذا وأشار يحيى بن سعيد القطان بطرف أصبعه السبابة فهذا موقوف أصح إسنادا من المرفوع ورواه ابن المنذر في تفسيره: حدثنا أحمد بن داود السمناني حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يلقى الله إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا فإن الله يقول " وسيدا وحصورا " - قال -: وإنما ذكره مثل هدبة الثوب " وأشار بأنملته وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عيسى بن حماد ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا حجاج بن سليمان المقري عن الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل ابن آدم يلقى الله بذنب يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه