وحديث فمن ذلك قوله تعالى " قل يا أيها الناس إني رسول الله لكم جميعا " وقال تعالى " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ". وفي الصحيحين وغيرهما مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه صلى الله عليه وسلم بعث كتبه يدعو إلى الله ملوك الآفاق وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم امتثالا لأمر الله له بذلك. وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم " بعثت إلى الأحمر والأسود " وقال " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ".
وقال الإمام أحمد: حدثنا مؤمل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا فلان قل لا إله إلا الله " فنظر إلى أبيه فسكت أبوه فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبيه فقال أبوه: أطع أبا القاسم فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أخرجه بي من النار " رواه البخاري في الصحيح إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث.
إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم (21) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (22) هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب بما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله قديما وحديثا التي بلغتهم إياها الرسل استكبارا عليهم وعنادا لهم وتعاظما على الحق واستنكافا عن اتباعه ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم إلا لكونهم دعوهم إلى الحق " ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس " وهذا هو غاية الكبر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الكبر بطر الحق وغمط الناس ". وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبو الزبير الحسن بن علي بن مسلم النيسابوري نزيل مكة حدثني أبو حفص عمر بن حفص يعني ابن ثابت بن زرارة الأنصاري حدثنا محمد بن حمزة حدثنا أبو الحسن مولى لبني أسد عن مكحول عن أبي قبيصة بن ذئب الخزاعي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال " رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم " الآية ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله عز وجل " وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عبيد الوصابي محمد بن حفص عن ابن حمير عن أبي الحسن مولى بني أسد عن مكحول به وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار وأقاموا سوق بقلهم من آخره رواه ابن أبي حاتم ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا والعذاب المهين في الآخرة فقال تعالى " فبشرهم بعذاب أليم " أي موجع مهين " أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ".
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون (23) ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون (24) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (25)