وقوله " ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه " أي يقولون في دعائهم إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه وتجزي كلا بعمله وما كان عليه في الدنيا من خير وشر.
إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار (10) كدأب أل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (11) يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه كما قال تعالى " ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " وقال تعالى " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جنهم وبئس المهاد " وقال ههنا " إن الذين كفروا " أي بآيات الله وكذبوا رسله وخالفوا كتابه ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار " أي حطبها الذي تسجر به وتوقد به كقوله " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جنهم " الآية. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن أبي مريم حدثنا ابن لهيعة أخبرني ابن الهاد عن هند بنت الحارث عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت: بينما نحن بمكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فنادى " هل بلغت اللهم هل بلغت " ثلاثا فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال نعم ثم أصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليظهرن الاسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه وليخوضن رجال البحار بالاسلام وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرأونه ثم يقولون قرأنا وعلمنا فمن هذا الذي هو خير منا فهل في أولئك من خير "؟ قالوا يا رسول الله فمن أولئك؟ قال " أولئك منكم وهم وقود النار " وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد عن هند بنت الحارث امرأة عبد الله بن شداد عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بمكة فقال " هل بلغت " يقولها ثلاثا فقام عمر بن الخطاب وكان أواها فقال اللهم نعم وحرصت وجهدت ونصحت فاصبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ليظهرن الايمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه وليخوضن رجال البحار بالاسلام وليأتين على الناس زمان يقرؤن القرآن فيقرؤنه ويعلمونه فيقولون قد قرأنا وقد علمنا فمن هذا الذي هو خير ما؟ فما في أولئك من خير " قالوا يا رسول الله فمن أولئك؟ قال " أولئك منكم أولئك هم وقود النار " ثم رواه من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم عن بنت الهاد عن العباس بن عبد المطلب بنحوه.
وقوله تعالى " كدأب آل فرعون " قال الضحاك عن ابن عباس: كصنيع آل فرعون وكذا روى عن عكرمة ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد ومنهم من يقول: كسنة آل فرعون وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون والألفاظ متقاربة والدأب بالتسكين والتحريك أيضا كنهر ونهر هو الصنيع والحال والشأن والامر والعادة كما يقال لا يزال هذا دأبي ودأبك وقال امرؤ القيس:
وقوفا بها صحبي على مطيهم * يقولون لا تأسف أسى وتجمل كدأبك من أم الحويرث قبلها * وجارتها أم الرباب بمأسل والمعنى كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها والمعنى في الآية أن الكافرين لا تغني عنهم الأموال ولا الأولاد بل يهلكون ويعذبون كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاءوا من آيات الله وحججه " والله شديد العقاب " أي شديد الاخذ أليم العذاب لا يمتنع منه أحد ولا يفوته شئ بل هو الفعال لما يريد الذي قد غلب كل شئ لا إله غيره ولا رب سواه.