فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال: فنزل منه ملك فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته رواه مسلم والنسائي وهذا لفظه.
فقوله تعالى " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " إخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك قال ابن جرير: حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لما نزلت عليه هذه الآية " ويحق له أن يؤمن " وقد روى الحاكم في مستدركه حدثنا أبو النضر الفقيه: حدثنا معاذ بن نجدة القرشي حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا أبو عقيل عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك قال: لما نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " حق له أن يؤمن " ثم قال الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
وقوله " والمؤمنون " عطف على الرسول ثم أخبر عن الجميع فقال " كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله " فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد فرد صمد لا إله غيره ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تقوم الساعة على شريعته ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين وقوله " وقالوا سمعنا وأطعنا " أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه " غفرانك ربنا " سؤال للمغفرة والرحمة واللطف قال ابن أبي حاتم.
حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا ابن فضل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون " إلى قوله " غفرانك ربنا " قال قد غفرت لكم " وإليك المصير " أي المرجع والمآب يوم الحساب. قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن سنان عن حكيم عن جابر قال:
لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " قال جبريل إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " إلى آخر الآية. وقوله " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " أي لا يكلف أحد فوق طاقته وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " أي هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها فهذا لا يكلف به الانسان وكراهية الوسوسة السيئة من الايمان وقوله " لها ما كسبت " أي من خير " وعليها ما اكتسبت " أي من شر وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. ثم قال تعالى مرشدا عباده إلى سؤاله وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " أي إن تركنا فرضا على جهة النسيان أو فعلنا حراما كذلك أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلا منا بوجهه الشرعي وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريره قال: " قال الله نعم " ولحديث ابن عباس قال الله " قد فعلت " وروى ابن ماجة في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي عن عطاء قال ابن ماجة في روايته عن ابن عباس وقال الطبراني وابن حبان عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وقد روي من طريق آخر وأعله أحمد وأبو حاتم والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبو بكر الهذلي عن شهر عن أم الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " إن الله تجاوز لامتي عن ثلاث عن الخطأ والنسيان والاستكراه " قال أبو بكر فذكرت ذلك للحسن فقال: أجل أما تقرأ بذلك قرآنا " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ".