وقوله " إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها " أي إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها.
فأما الاشهاد على البيع فقد قال تعالى " وأشهدوا إذا تبايعتم " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثني يحيى بن عبد الله بن بكر حدثني ابن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله تعالى " وأشهدوا إذا تبايعتم " يعني أشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن فيه أجل فأشهدوا على حقكم على كل حال قال وروى عن جابر بن زيد ومجاهد وعطاء والضحاك نحو ذلك وقال الشعبي والحسن هذا الامر منسوخ بقوله " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته " وهذا الامر محمول عند الجمهور على الارشاد والندب لا على الوجوب والدليل على ذلك حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري. وقد رواه الإمام أحمد حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثني عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم وأبطأ الاعرابي فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم فنادى الاعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقام النبي صليا الله عليه وسلم حين سمع نداء الاعرابي قال " أوليس قد ابتعته منك " قال الاعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بل قد ابتعته منك " فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان فطفق الاعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني بايعتك فمن جاء من المسلمين قال للاعرابي ويلك إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول إلا حقا حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الاعرابي يقول: هلم شهيدا يشهد أني بايعتك قال: خزيمة أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال " بم تشهد "؟ فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين وهكذا رواه أبو داود من حديث شعيب والنسائي من رواية محمد بن الوليد الزبيدي كلاهما عن الزهري به نحوه ولكن الاحتياط هو الارشاد لما رواه الإمامان الحافظ أبو بكر بن مردويه والحاكم في مستدركه من رواية معاذ بن معاذ العنبري عن شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل دفع مال يتيم قبل أن يبلغ ورجل أقرض رجلا مالا فلم يشهد " ثم قال الحاكم صحيح الاسناد على شرط الشيخين قال ولم يخرجاه لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى وإنما أجمعوا على سند حديث شعبة بهذا الاسناد " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ".
وقوله تعالى " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قيل معناه لا يضار الكاتب ولا الشاهد فيكتب هذا خلاف ما يملي ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو يكتمها بالكلية وهو قول الحسن وقتادة وغيرهما وقيل معناه لا يضر بهما قال ابن أبي حاتم حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا الحسين يعني ابن حفص حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس في هذه الآية " ولا يضار كاتب ولا شهيد ". قال يأتي الرجل فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة فيقولان إنا على حاجة فيقول إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما ثم قال وروى عن عكرمة ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك وعطية ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك وقوله " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " أي إن خالفتم ما أمرتم به أو فعلتم ما نهيتم عنه فإنه فسق كائن بكم أي لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه وقوله " واتقوا الله " أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره " ويعلمكم الله " كقوله " يا أيها الذين أمنوا أن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا " وقوله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به " وقوله " والله بكل شئ عليم " أي هو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها فلا يخفى عليه شئ من الأشياء بل علمه محيط بجميع الكائنات.