إذا سئل أن يكتب للناس ولا ضرورة عليه في ذلك فكما علمه الله ما لم يكن يعلم فليتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة وليكتب كما جاء في الحديث " إن من الصدقة أن تعين صانعا أو تصنع لاخرق " وفي الآخر " من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ". وقال مجاهد وعطاء واجب على الكاتب أن يكتب وقوله " وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه " أي وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين وليتق الله في ذلك " ولا يبخس منه شيئا " أي لا يكتم منه شيئا " فإن كان الذي عليه الحق سفيها " محجورا عليه بتبذير ونحوه " أو ضعيفا " أي صغيرا أو مجنونا " أو لا يستطيع أن يمل هو " إما لعي أو جهل بموضع صواب ذلك من خطئه " فليملل وليه بالعدل ".
وقوله " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " أمر بالاشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وهذا إنما يكون في الأموال وما يقصد به المال وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة منهن جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال " تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ". قالت يا رسول الله ما نقصان العقل والدين قال " أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين ".
وقوله " ممن ترضون من الشهداء " فيه دلالة على اشتراط العدالة في الشهود وهذا مقيد حكم به الشافعي على كل مطلق في القرآن من الامر بالاشهاد من غير اشتراط وقد استدل من رد المستور بهذه الآية الدالة على أن يكون الشاهد عدلا مرضيا. وقوله " أن تضل إحداهما " يعني المرأتين إذا نسيت الشهادة " فتذكر إحداهما الأخرى " أي يحصل لها ذكر بما وقع به من الاشهاد وبهذا قرأ آخرون فتذكر بالتشديد من التذكار ومن قال إن شهادتها معها تجعلها كشهادة ذكر فقد أبعد والصحيح الأول والله أعلم.
وقوله " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قيل معناه إذا دعوا للتحمل فعليهم الإجابة وهو قول قتادة والربيع بن أنس وهذا كقوله " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب " ومن ههنا استفيد أن تحمل الشهادة فرض كفاية قيل وهو مذهب الجمهور المراد بقوله " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " للأداء لحقيقة قوله الشهداء والشاهد حقيقة فيمن تحمل فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت وإلا فهو فرض كفاية والله أعلم. وقال مجاهد وأبو مجلز وغير واحد إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار وإذا شهدت فدعيت فأجب وقد ثبت في صحيح مسلم والسنن من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عبد الله بن عمرو بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ". فأما الحديث الآخر في الصحيحين " ألا أخبركم بشر الشهداء " الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا " وكذا قوله " ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم وتسبق شهادتهم أيمانهم " وفي رواية " ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون " وهؤلاء شهود الزور وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري أنها تعم الحالين التحمل والأداء.
وقوله " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله " هذا من تمام الارشاد وهو الامر بكتابة الحق صغيرا كان أو كبيرا فقال ولا تسأموا أي لا تملوا أن تكتبوا الحق على أي حال كان من القلة والكثرة إلى أجله وقوله " ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا ". أي هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجلا هو أقسط عند الله أي أعدل وأقوم للشهادة أي أثبت للشاهد إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه كما هو الواقع غالبا " وأدنى أن لا ترتابوا " وأقرب إلى عدم الريبة بل ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه فيفصل بينكم بلا ريبة.