عنبسة بن سعيد عن مطرف بن طريف عن سعيد بن إسحاق عن كعب بن عجرة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين وله ما سأل فإذا قال العبد " الحمد لله رب العالمين " قال حمدني عبدي وإذا قال " الرحمن الرحيم " قال أثنى علي عبدي، ثم قال هذا لي وله ما بقي " وهذا غريب من هذا الوجه.
(الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه) " أحدها " أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة، والمراد القراءة كقوله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " أي بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح عن ابن عباس، وهكذا قال في هذا الحديث " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل " ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة فدل على عظمة القراءة في الصلاة وأنها من أكبر أركانها إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله " وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا " والمراد صلاة الفجر كما جاء مصرحا به في الصحيحين أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة وهو اتفاق من العلماء، ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة غير فاتحة الكتاب أم تجزئ هي أو غيرها؟ على قولين مشهورين فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم: أنها لا تتعين بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة واحتجوا بعموم قوله تعالى: " فاقرءوا ما تيسر من القرآن " وبما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة المسئ في صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " قالوا فأمره بقراءة ما تيسر ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها فدل على ما قلنا.
" والقول الثاني " أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ولا تجزئ الصلاة بدونها، وهو قول بقية الأئمة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء، واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور حيث قال صلوات الله وسلامه عليه " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " والخداج هو الناقص كما فسر به في الحديث " غير تمام ". واحتجوا أيضا بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ". وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن " والأحاديث في هذا الباب كثيرة ووجه المناظرة ههنا يطول ذكره وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك رحمهم الله.
ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم أنه تجب قراءتها في كل ركعة. وقال آخرون: إنما تجب قراءتها في معظم الركعات وقال الحسن وأكثر البصريين: إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات أخذا بمطلق الحديث " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ". وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: لا تتعين قراءتها بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله تعالى: " فاقرءوا ما تيسر من القرآن " والله أعلم. وقد روى ابن ماجة من حديث أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها " وفي صحة هذا نظر وموضع تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير والله أعلم.
" الوجه الثالث " هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء " أحدها " أنه تجب عليه قراءتها كما تجب على إمامه لعموم الأحاديث المتقدمة " والثاني " لا تجب على المأموم قراءة بالكلية للفاتحة ولا غيرها لا في صلاة الجهرية ولا في صلاة السرية لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة " ولكن في إسناده ضعفا. ورواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر