الله لأهل الفروض والعصبات يرفع بها حكم هذه بالكلية بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم يستحب له أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية وشمولها ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " قال ابن عمر ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي. والآيات والأحاديث بالامر ببر الأقارب والاحسان إليهم كثيرة جدا وقال عبد بن حميد في مسنده أخبرنا عبد الله عن مبارك بن حسان عن نافع قال: قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى يا ابن آدم ثنتان لم يكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك به وأزكيك وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك " وقوله " إن ترك خيرا " أي مالا قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبو العالية وعطية العوفي والضحاك والسدي والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم ثم منهم من قال الوصية مشروعة سواء قل المال أو كثر كالوراثة ومنهم من قال إنما يوصي إذا ترك مالا جليلا ثم اختلفوا في مقداره فقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال لعلي رضي الله عنه إن رجلا من قريش قد مات وترك ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ولم يوص قال ليس بشئ إنما قال الله " إن ترك خيرا " وقال أيضا وحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني حدثنا عبدة يعني ابن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه أن عليا دخل على رجل من قومه يعوده فقال له أوص فقال له علي إنما قال الله " إن ترك خيرا الوصية " إنما تركت شيئا يسيرا فاتركه لولدك وقال الحاكم: إن أبان حدثني عن عكرمة عن ابن عباس " إن ترك خيرا " قال ابن عباس: من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا قال: الحاكم قال طاوس لم يترك خيرا من لم يترك ثمانين دينارا.
وقال قتادة كان يقال ألفا فما فوقها وقوله " بالمعروف " أي بالرفق والاحسان كما قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن قوله " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت " فقال نعم الوصية حق على كل مسلم أن يوصي إذا حضره الموت بالمعروف غير المنكر والمراد بالمعروف أن يوصي لاقربيه وصية لا تجحف بورثته من غير إسراف ولا تقتير كما ثبت في الصحيحين أن سعدا قال: يا رسول الله إن لي مالا ولا يرثني إلا ابنة لي أفاوصي بثلثي مالي؟ قال " لا " قال فبالشطر؟ قال " لا " قال فالثلث؟ قال " الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وفي صحيح البخاري أن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " الثلث والثلث كثير " وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن زياد بن عتبة بن حنظلة سمعت حنظلة بن جذيم بن حنيفة أن جده حنيفة أوصى ليتيم في حجره بمائة من الإبل فشق ذلك على بنيه فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حنيفة إني أوصيت ليتيم لي بمائة من الإبل كنا نسميها المطية فقال: النبي صلى الله عليه وسلم " لا لا لا، الصدقة خمس وإلا فعشر وإلا فخمس عشرة وإلا فعشرون وإلا فخمس وعشرون وإلا فثلاثون وإلا فخمس وثلاثون فإن كثرت فأربعون " وذكر الحديث بطوله.
وقوله " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم " يقول تعالى فمن بدل الوصية وحرفها فغير حكمها وزاد فيها أو نقص ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى " فإنما إثمه على الذين يبدلونه " قال ابن عباس وغير واحد وقد وقع أجر الميت على الله وتعلق الاثم بالذين بدلوا ذلك " إن الله سميع عليم " أي قد اطلع على ما أوصى به الميت وهو عليم بذلك وبما بدله الموصى إليهم وقوله تعالى " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " قال ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدي الجنف الخطأ وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها بأن زادوا وارثا بواسطة أو وسيلة كما إذا أوصى ببيعة الشئ الفلاني محاباة أو أوصى لابن ابنته ليزيد أو نحو ذلك من الوسائل إما مخطئا غير عامد بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر أو معتمدا آثما في ذلك فللوصي والحالة هذه أن يصلح القضية ويعدل في الوصية على الوجه الشرعي ويعدل عن الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به جمعا بين مقصود الموصي والطريق الشرعي، وهذا الاصلاح والتوفيق