ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا " أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ". وقد روى الحكم في مستدركه من حديث شعبة والثوري عن منصور عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وآتى المال على حبه " أن تعطيه وأنت صحيح تأمل العيش وتخشى الفقر " ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. " قلت " وقد رواه وكيع عن الأعمش وسفيان عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود موقوفا وهو أصح والله أعلم. وقال تعالى " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " وقال تعالى " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " وقوله " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " نمط آخر أرفع من هذا وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبون له وقوله " ذوي القربى " وهم قرابات الرجل وهم أولى من أعطى من الصدقة كما ثبت في الحديث " الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان صدقة وصلة فهم أولى الناس بك ببرك وإعطائك " وقد أمر الله تعالى بالاحسان إليهم في غير موضع من كتابه العزيز " واليتامى " هم الذين لا كاسب لهم وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب وقد قال: عبد الرزاق أنبأنا معمر عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يتم بعد حلم " " والمساكين " وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم فيعطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه " " وابن السبيل " وهو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيعطى ما يوصله إلى بلده وكذا الذي يريد سفرا في طاعة فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه ويدخل في ذلك الضيف كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو جعفر الباقر والحسن وقتادة والضحاك والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان " والسائلين " وهم الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات كما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع وعبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عم مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها - قال عبد الرحمن حسين بن علي - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للسائل حق وإن جاء على فرس " رواه أبو داود " وفي الرقاب " وهم المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم وسيأتي الكلام على كثير من هذه الأصناف في آية الصدقات من براءة إن شاء الله تعالى. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا شريك عن أبي حمزة عن الشعبي حدثتني فاطمة بنت قيس أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي المال حق سوى الزكاة؟ قالت فتلا علي " وآتى المال على حبه ". ورواه ابن مردويه من حديث آدم بن إياس ويحيى بن عبد الحميد كلاهما عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " في المال حق سوى الزكاة " ثم قرأ " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب - إلى قوله - وفي الرقاب " وأخرجه ابن ماجة والترمذي وضعف أبا حمزة ميمونا الأعور وقد رواه سيار وإسماعيل بن سالم عن الشعبي وقوله " وأقام الصلاة " أي وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي وقوله " آتي الزكاة " يحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس وتخليصها من الأخلاق الدنيئة الرذيلة كقوله " قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها " وقول موسى لفرعون: " هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى " وقوله تعالى " وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة " ويحتمل أن يكون المراد زكاة المال كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين إنما هو التطوع والبر والصلة ولهذا تقدم في الحديث عن فاطمة بنت قيس " أن في المال حقا سوى الزكاة " والله أعلم.
وقوله " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " كقوله " الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " وعكس هذه الصفة النفاق كما صح الحديث " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " وفي الحديث الآخر " إذا