إذا أفرط وجعه وانتهى إلى الغاية، وقال بغت المرأة إذا زنت، لأن الزنا كبيرة منكرة، قال تعالى: * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) * (النور: 33) ثم قال: * (فاحكم بيننا بالحق) * معنى الحكم إحكام الأمر في إمضاء تكليف الله عليهما في الواقعة، ومنه حكمة الدابة لأنها تمنع من الجماح، ومنه بناء محكم إذا كان قويا، وقوله: * (بالحق) * أي بالحكم الحق وهو الذي حكم الله به * (ولا تشطط) * يقال شط الرجل إذا بعد، ومنه قوله: شطت الدار إذا بعدت، قال تعالى: * (لقد قلنا إذا شططا) * (الكهف: 14) أي قولا بعيدا عن الحق، فقوله: * (ولا تشطط) * أي لا تبعد في هذا الحكم عن الحق، ثم قال: * (واهدنا إلى سواء الصراط) * وسواء الصراط هو وسطه، قال تعالى: * (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) * (الصافات: 55) ووسط الشيء أفضله وأعدله، قال تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 143) وأقول إنهم عبروا عن المقصود الواحد بثلاث عبارات أولها: قولهم فاحكم بالحق وثانيها: قولهم: * (ولا تشطط) * وهي نهي عن الباطل وثالثها: قولهم: * (واهدنا إلى سواء الصراط) * يعنى يجب أن يكون سعيك في إيجاد هذا الحق. وفي الاحتراز عن هذا الباطل أن تردنا من الطريق الباطل إلى الطريق الحق، وهذا مبالغة تامة في تقرير المطلوب، واعلم أنهم لما أخبروا عن وقوع الخصومة على سبيل الإجمال أردفوه ببيان سبب تلك الخصومة على سبيل التفصيل، فقال: * (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صحاب " الكشاف " * (أخي) * يدل من هذا أو خبر لقوله: * (إن) * والمراد أخوة الدين أو أخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة، لقوله تعالى: * (وإن كثيرا من الخلطاء) * وكل واحدة من هذه الأخوات توجب الامتناع من الظلم والاعتداء.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف " قرىء * (تسع وتسعون) * بفتح التاء ونعجة بكسر النون، وهذا من اختلاف اللغات نحو نطع ونطع، ولقوة وهي الأنثى من العقبان.
المسألة الثالثة: قال الليث: النعجة الأنثى من الضأن والبقرة الوحشية والشاة الجبلية، والجمع النعجات، والعرب جرت عادتهم بجعل النعجة والظبية كناية عن المرأة.
المسألة الرابعة: قرأ عبد الله: * (تسع وتسعون نعجة أنثى) * وهذا يكون لأجل التأكيد كقوله تعالى: * (وقال الله لا تتخذوا إليهن اثنين إنما هو إله واحد) * (النحل: 51)، ثم قال: * (أكفلنيها وعزني في الخطاب) * قال صاحب " الكشاف ": * (أكفلنيها) * حقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي * (وعزني) * غلبني، يقال عزه يعزه، والمعنى جاءني بحجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أورده به، وقرئ وعازني من المعازة، وهي المغالبة، واعلم أن الذين قالوا إن هذين الخصمين كانا من الملائكة زعموا أن المقصود من ذكر النعاج التمثيل، لأن داود كان تحته تسع وتسعون امرأة ولم يكن لأوريا إلا امرأة واحدة، فذكرت الملائكة تلك الواقعة على سبيل الرمز والتمثيل.
ثم قال تعالى: * (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) * أي سؤال إضافة نعجتك إلى نعاجه، وروي أنه قال: إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا، وأشار إلى الأنف والجبهة