علم النجوم والاستدلال بمقايستها حرام، لأن من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص، فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل. وأما الكذب فغر لازم لأنه ذكر قوله: * (إني سقيم) * على سبيل التعريض بمعنى أن الإنسان لا ينفك في أكثر أحواله عن حصول حالة مكروهة، إما في بدنه وإما في قلبه وكل ذلك سقم. الوجه السابع: قال بعضهم ذلك القول عن إبراهيم عليه السلام كذبة ورووا فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات " قلت لبعضهم هذا الحديث لا ينبغي أن يقبل لأن نسبة الكذب إلى إبراهيم لا تجوز فقال ذلك الرجل فكيف يحكم بكذب الرواة العدول؟ فقلت لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبته إلى الخليل عليه السلام كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى، ثم نقول لم لا يجوز أن يكون المراد بكونه كذبا خبرا شبيها بالكذب؟ والوجه الثامن: أن المراد من قوله * (فنظر نظرة في النجوم) * أي نظر في نجوم كلامهم ومتفرقات أقوالهم، فإن الأشياء التي تحدث قطعة قطعة يقال إنها منجمة أي متفرقة ومنه نجوم الكتابة، والمعنى أنه لما سمع كلماتهم المتفرقة نظر فيها كي يستخرج منها حيلة يقدر بها على إقامة عذر لنفسه في التخلف عنهم فلم يجد عذرا أحسن من قوله: * (إني سقيم) * والمراد أنه لا بد من أن أصير سقيما كما تقول لمن رأيته على أوقات السفر إنك مسافر. واعلم أن إبراهيم عليه السلام لما قال: * (إني سقيم) * تولوا عنه معرضين فتركوه وعذروه في أن لا يخرج اليوم فكان ذلك مراده * (فراغ إلى آلهتهم) * يقال: راغ إليه إذا مال إليه في السر على سبيل الخفية، ومنه روغان الثعلب. وقوله: * (ألا تأكلون) * يعني الطعام الذي كان بين أيديهم، وإنما قال ذلك استهزاء بها، وكذا قوله: * (ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا) * فأقبل عليهم مستخفيا كأنه قال فضربهم ضربا لأن راغ عليهم في معنى ضربهم أو فراغ عليهم ضربا بمعنى ضاربا. وفي قوله: * (باليمين) * قولان الأول: معناه بالقوة والشدة لأن اليمين أقوى الجارحتين والثاني: أنه أتى بذلك الفعل بسبب الحلف، وهو قوله تعالى عنه: * (وتالله لأكيدن أصنامكم) * (الأنبياء: 57) ثم قال: * (فأقبلوا إليه يزفون) * قرأ حمزة * (يزفون) * بضم الياء والباقون بفتحها وهما لغتان، قال ابن عرفة من قرأ بالنصب فهو من زف يزف، ومن قرأ بالضم فهو من أزف يزف، قال الزجاج: يزفون يسرعون وأصله من زفيف النعامة وهو ابتداء عدوها، وقرأ حمزة يزفون أي يحملون غيرهم على الزفيف، قال الأصمعي يقال أزففت الإبل إذا حملتها على أن تزف، قال وهو سرعة الخطوة ومقاربة المشي والمفعول محذوف على قراءته كأنهم حملوا دوابهم على اسراع في المشي، فإن قيل مقتضى هذه الآية أن إبراهيم عليه السلام لما كسرها عدوا إليه وأخذوه، وقال في سورة أخرى في عين هذه القصة * (قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) * (الأنبياء: 59، 60) وهذا يقتضي أنهم في أول الأمر ما عرفوه فبين هاتين الآيتين تناقض؟ قلنا: لا يبعد أن يقال إن جماعة
(١٤٨)