واليسع وذا الكفل كل من الصابرين) * (الأنبياء: 85) وهو صبره على الذبح، ووصفه أيضا بصدق الوعد في قوله: * (إنه كان صادق الوعد) * (مريم: 54) لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: * (فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب) * (هود: 71) فنقول لو كان الذبيح إسحق لكان الأمر بذبحه إما أن يقع قبل ظهور يعقوب، منه أو بعد ذلك فالأول: باطل لأنه تعالى لما بشرها بإسحق، وبشرها معه بأنه يحصل منه يعقوب فقبل ظهور يعقوب منه لم يجز الأمر بذبحه، وإلا حصل الخلف في قوله: * (ومن وراء إسحق) * والثاني: باطل لأن قوله: * (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) * يدل على أن ذلك الابن لما قدر على السعي ووصل إلى حد القدرة على الفعل أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه، وذلك ينافي وقوع هذه القصة في زمان آخر، فثبت أنه لا يجوز أن يكون الذبيح هو إسحق.
الحجة الخامسة: حكى الله تعالى عنه أنه قال: * (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) * (الصافات: 99) ثم طلب من الله تعالى ولدا يستأنس به في غربته فقال: * (رب هب لي من الصالحين) * (الصافات: 100) وهذا السؤال إنما يحسن قبل أن يحصل له الولد، لأنه لو حصل له ولد واحد لما طلب الولد الواحد، لأن طلب الحاصل محال وقوله: * (هب لي من الصالحين) * لا يفيد إلا طلب الولد الواحد، وكلمة من للتبعيض وأقل درجات البعضية الواحد فكأن قوله: * (من الصالحين) * لا يفيد إلا طلب الولد الواحد فثبت أن هذا السؤال لا يحسن إلا عند عدم كل الأولاد فثبت أن هذا السؤال وقع حال طلب الولد الأول، وأجمع الناس على أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحق، فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء وهو إسماعيل، ثم إن الله تعالى ذكر عقيبه قصة الذبيح فوجب أن يكون الذبيح هو إسماعيل.
الحجة السادسة: الأخبار الكثيرة في تعليق قرن الكبش بالكعبة، فكأن الذبيح بمكة. ولو كان الذبيح إسحق كان الذبح بالشام، واحتج من قال إن ذلك الذبيح هو إسحق بوجهين: الوجه الأول: أن أول الآية وآخرها يدل على ذلك، أما أولها فإنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام قبل هذه الآية أنه قال: * (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) * وأجمعوا على أن المراد منه مهاجرته إلى الشام ثم قال: فبشرناه بغلام حليم) * (الصافات: 101) فوجب أن يكون هذا الغلام ليس إلا إسحق، ثم قال بعده: * (فلما بلغ معه السعي) * وذلك يقتضي أن يكون المراد من هذا الغلام الذي بلغ معه السعي هو ذلك الغلام الذي حصل في الشام، فثبت أن مقدمة هذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسحق، وأما آخر الآية فهو أيضا يدل على ذلك لأنه تعالى لما تمم قصة الذبيح قال بعده: * (وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين) * ومعناه أنه بشره بكونه نبيا من الصالحين، وذكر هذه البشارة عقيب حكاية تلك القصة يدل على أنه تعالى إنما بشره بهذه النبوة لأجل أنه تحمل هذه الشدائد في قصة الذبيح، فثبت بما ذكرنا أن أول الآية وآخرها يدل على أن الذبيح هو إسحق عليه السلام. الحجة الثانية: على صحة ذلك ما اشتهر من كتاب يعقوب إلى يوسف عليه السلام من