اعلم أن هذه القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن عامر: * (وإن إلياس) * بغير همزة على وصل الألف والباقون بالهمزة وقطع الألف، قال أبو بكر بن مهران: من ذكر عند الوصل الألف فقد أخطأ، وكان أهل الشام ينكرونه ولا يعرفونه، قال الواحدي وله وجهان أحدهما: أنه حذف الهمزة من إلياس حذفا، كما حذفها ابن كثير من قوله: * (إنها لإحدى الكبر) * (المدثر: 35) وكقول الشاعر: ويلمها في هواء الجو طالبة والآخر أنه جعل الهمزة التي تصحب اللام للتعريف كقوله: * (واليسع) *.
المسألة الثانية: في إلياس قولان: يروى عن ابن مسعود أنه قرأ وإن إدريس، وقال إن إلياس هو إدريس، وهذا قول عكرمة، وأما أكثر المفسرين فهم متفقون على أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل وهو إلياس بن ياسين، من ولد هارون أخي موسى عليهم السلام، ثم قال تعالى: * (إذ قال لقومه ألا تتقون) * والتقدير أذكر يا محمد لقومك: * (إذ قال لقومك ألا تتقون) * أي ألا تخافون الله، وقال الكلبي ألا تخافون عبادة غير الله. واعلم أنه لما خوفهم أولا على سبيل الإجمال ذكر ما هو السبب لذلك الخوف فقال: * (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين) * وفيه أبحاث:
الأول: في (بعل) قولان أحدهما: أنه اسم علم لصنم كان لهم كمناة وهبل، وقيل كان من ذهب، وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه، وفتنوا به وعظموه، حتى عينوا له أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشأم، وبه سميت مدينتهم بعلبك. واعلم أن قولهم بعل اسم لصنم من أصنامهم لا بأس به، وأما قولهم إن الشيطان كان يدخل في جوف بعلبك ويتكلم بشريعة الضلالة. فهذا مشكل لأنا إن جوزنا هذا كان ذلك قادحا في كثير من المعجزات، لأنه نقل في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كلام الذئب معه وكلام الجمل معه وحنين الجذع، ولو جوزنا أن يدخل الشيطان فيجوف جسم ويتكلم. فحينئذ يكون هذا الاحتمال قائما في الذئب والجمل والجذع، وذلك يقدح في كون هذه الأشياء معجزات القول الثاني: أن البعل هو الرب بلغة اليمن، يقال من بعل هذه الدار، أي من ربها، وسمي الزوج بعلا لهذا المعنى، قال تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن) * (البقرة: 228) وقال تعالى: * (وهذا بعلي شيخا) * (هود: 72) فعلى هذا التقدير المعنى، أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله.
البحث الثاني: المعتزلة احتجوا بهذه الآية على كون العبد خالقا لأفعال نفسه، فقالوا: لو لم يكن غير الله خالقا لما جاز وصف الله بأنه أحسن الخالقين، والكلام فيه قد تقدم في قوله تعالى: * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * (المؤمنون: 14).
البحث الثالث: كان الملقب بالرشيد الكاتب يقول لو قيل: أتدعون بعلا وتدعون أحسن الخالقين. أوهم أنه أحسن، لأنه كان قد تحصل فيه رعاية معنى التحسين وجوابه: أن فصاحة