أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * (الشعراء: 82) وطلبها لأبيه: * (سأستغفر لك ربي) * (مريم: 47) وأما يوسف عليه السلام فقال في إخوته: * (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) * (يوسف: 92) وأما موسى عليه السلام ففي قصة القبطي: * (رب اغفر لي ولأخي) * (الأعراف: 151) وأما داود عليه السلام: * (فاستغفر ربه) * (ص: 24) أما سليمان عليه السلام: * (رب اغفر لي وهب لي ملكا) * (ص: 35) وأما عيسى عليه السلام: * (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * (المائدة: 118) وأما محمد صلى الله عليه وسلم فقول: * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * (محمد: 19) وأما الأمة فقوله: * (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا) * (الحشر: 10) واعلم أن بسط الكلام ههنا أن نبين أولا حقيقة المغفرة ثم نتكلم في كونه تعالى غافرا وغفورا وغفارا ثم نتكلم في أن مغفرته عامة ثم نبين أن مغفرته في حق الأنبياء عليهم السلام كيف تعقل مع أنه لا ذنب لهم، ويتفرع على هذه الجملة استدلال أصحابنا في إثبات العفو وتقريره أن الذنب إما أن يكون صغيرا أو كبيرا بعد التوبة أو قبل التوبة والقسمان الأولان يقبح من الله عذابهما ويجب عليه التجاوز عنهما وترك القبيح لا يسمى غفرانا فتعين أن لا يتحقق الغفران إلا في القسم الثالث وهو المطلوب، فإن قيل: هذا يناقض صريح الآية لأنه أثبت الغفران في حق من استجمع أمورا أربعة: التوبة والإيمان والعمل الصالح والاهتداء، قلنا: إن من تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ثم أذنب بعد ذلك كان تائبا ومؤمنا وآتيا بالعمل الصالح، ومهتديا ومع ذلك يكون مذنبا فحينئذ يستقيم كلامنا، وههنا نكتة، وهي أن العبد له أسماء ثلاثة: الظالم والظلوم والظلام. فالظالم: * (فمنهم ظالم لنفسه) * (فاطر: 32) والظلوم: * (إنه كان ظلوما جهولا) * (الأحزاب: 72) والظلام إذا كثر ذلك منه، ولله في مقابلة كل واحد من هذه الأسماء اسم فكأنه تعالى يقول: إن كنت ظالما فأنا غافر وإن كنت ظلوما فأنا غفور، وإن كنت ظلاما فأنا غفار: * (وإني لغفار لمن تاب وآمن) * (طه: 82).
المسألة التاسعة: كثير اختلاف المفسرين في قوله تعالى: * (ثم اهتدى) * وسبب ذلك أن من تاب وآمن وعمل صالحا فلا بد وأن يكون مهتديا، فما معنى قوله ثم اهتدى بعد ذكر هذه الأشياء؟ والوجوه الملخصة فيه ثلاثة. أحدها: المراد منه الاستمرار على تلك الطريقة إذ المهتدي في الحال لا يكفيه ذلك في الفوز بالنجاة حتى يستمر عليه في المستقبل ويموت عليه ويؤكده قوله تعالى: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * (فصلت: 30) وكلمة ثم للتراخي في هذه الآية وليست لتباين المرتبتين بل لتباين الوقتين فكأنه تعالى قال: الإتيان بالتوبة والإيمان والعمل الصالح مما قد يتفق لكل أحد ولا صعوبة في ذلك إنما الصعوبة في المداومة على ذلك والاستمرار عليه. وثانيها: المراد من قوله: * (ثم اهتدى) * أي علم أن ذلك بهداية الله وتوفيقه وبقي مستعينا بالله في إدامة ذلك من غير تقصير، عن ابن عباس. وثالثها: المراد من الإيمان الاعتقاد المبني على الدليل والعمل الصالح إشارة إلى أعمال الجوارح بقي بعد ذلك ما يتعلق بتطهير القلب من الأخلاق الذميمة وهو المسمى بالطريقة في لسان الصوفية، ثم انكشاف حقائق الأشياء له وهو المسمى بالحقيقة في