قوله تعالى * (ولقد عهدنآ إلى ءادم من قبل فنسى ولم نجد له عزما * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا ادم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى) * اعلم أن هذا هي المرة السادسة من قصة آدم عليه السلام في القرآن: أولها في سورة البقرة ثم في الأعراف ثم في الحجر ثم في الإسراء ثم في الكهف، ثم ههنا. واعلم أن في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوها. أحدها: أنه تعالى لما قال: * (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) * (طه: 99) ثم إنه عظم أمر القرآن وبالغ فيه ذكر هذه القصة انجازا للوعد في قوله: * (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) *. وثانيها: أنه لما قال: * (وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) * (طه: 113) أردفه بقصة آدم عليه السلام كأنه قال: إن طاعة بني آدم للشيطان وتركهم التحفظ من وساوسه أمر قديم فإنا قد عهدنا إلى آدم من قبل أي من قبل هؤلاء الذين صرفنا لهم الوعيد وبالغنا في تنبيهه حيث قلنا: * (إن هذا عدو لك ولزوجك) * ثم إنه مع ذلك نسي وترك ذلك العهد فأمر البشر في ترك التحفظ من الشيطان أمر قديم. وثالثها: أنه لما قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (وقل رب زدني علما) * (طه: 114) ذكر بعده قصة آدم عليه السلام فإنه بعدما عهد الله إليه وبالغ في تجديد العهد وتحذيره من العدو نسي، فقد دل ذلك على ضعف القوة البشرية عن التحفظ فيحتاج حينئذ إلى الاستعانة بربه في أن يوفقه لتحصيل العلم ويجنبه عن السهو والنسيان. ورابعها: أن محمدا صلى الله عليه وسلم لما قيل له: * (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) * (طه: 114) دل على أنه كان في الجد في أمر الدين بحيث زاد على قدر الواجب فلما وصفه بالإفراط وصف آدم بالتفريط في ذلك فإنه تساهل في ذلك ولم يتحفظ حتى نسي فوصف الأول بالتفريط والآخر بالإفراط ليعلم أن البشر لا ينفك عن نوع زلة. وخامسها: أن محمدا صلى الله عليه وسلم لما قيل له: * (ولا تعجل) * ضاق قلبه وقال في نفسه: لولا أني أقدمت على ما لا ينبغي وإلا لما نهيت عنه فقيل له: إن كنت فعلت ما نهيت عنه فإنما فعلته حرصا منك على العبادة، وحفظا لأداء الوحي
(١٢٣)