* (فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) * (غافر: 29) لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم به هو الذي هونه عليهم وإنما حسن حذف الجواب لأن ما تقدم يدل عليه. وهذا أبلغ ومثله: * (ولو يرى الذين ظلموا) * (البقرة: 165)، * (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا) * (الأنفال: 50)، * (ولو أن قرآن سيرت به الجبال) * (الرعد: 31) وإنما خص الوجوه والظهور لأن مس العذاب لهما أعظم موقعا ولكثرة ما يستعمل ذكرهما في دفع المضرة عن النفس ثم إنه تعالى لما بين شدة هذا العذاب بين أن وقت مجيئه غير معلوم لهم بل تأتيهم الساعة بغتة وهم لها غير محتسبين ولا لأمرها مستعدين فتبهتهم أي تدعهم حائرين واقفين لا يستطيعون حيلة في ردها ولا عما يأتيهم منها مصرفا ولا هم ينظرون أي لا يمهلون لتوبة ولا معذرة، واعلم أن الله تعالى إنما لم يعلم المكلفين وقت الموت والقيامة لما فيه من المصلحة لأن المرء مع كتمان ذلك أشد حذرا وأقرب إلى التلافي، ثم إنه سبحانه ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب رسوله فقال: * (ولقد استهزئ برسل من قبلك) * يا محمد كما استهزأ بك قومك * (فحاق) * أي نزل وأحاط * (بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) * أي عقوبة استهزائهم وحاق وحق بمعنى كزال وزل وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.
قوله تعالى * (قل من يكلؤكم باليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون * أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون * بل متعنا هؤلاء وءابآءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتى الارض ننقصها من أطرافهآ أفهم الغالبون) * اعلم أنه تعالى لما بين أن الكفار في الآخرة لا يكفون عن وجوههم النار بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضا لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة فقال لرسوله: قل لهؤلاء الكفار الذين يستهزءون ويغترون بما هم عليه: * (من يكلؤكم بالليل والنهار) * وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه إلى أين مقرك منى! هل لك محيص عني! والكالئ الحافظ.