ما صنعوا وفي قوله: * (فألقي السحرة سجدا) * (طه: 70) دلالة على أنه ألقى العصا وصارت حية وتلقفت ما صنعوه وفي التلقف دلالة على أن جميع ما ألقوه تلقفته وذلك لا يكون إلا مع عظم جسدها وشدة قوتها. وقد حكى عن السحرة أنهم عند التلقف أيقنوا بأن ما جاء به موسى عليه السلام ليس من مقدور البشر من وجوه: أحدها: ظهور حركة العصا على وجه لا يكون مثله بالحيلة. وثانيها: زيادة عظمه على وجه لا يتم ذلك بالحيلة. وثالثها: ظهور الأعضاء عليه من العين والمنخرين والفم وغيرها ولا يتم ذلك بالحيلة. ورابعها: تلقف جميع ما ألقوه على كثرته وذلك لا يتم بالحيلة. وخامسها: عوده خشبة صغيرة كما كانت وشئ من ذلك لا يتم بالحيلة ثم بين سبحانه وتعالى أن ما صنعوا كيد ساحر والمعنى أن الذي معك يا موسى معجزة إلهية والذي معهم تمويهات باطلة فكيف يحصل التعارض. وقرئ كيد ساحر بالرفع والنصب فمن رفع فعلى أن ما موصولة ومن نصب فعلى أنها كافة وقرئ كيد سحر بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته أو بين الكيد لأنه يكون سحرا وغير سحر، كما يبين المائة بدرهم ونحوه علم فقه وعلم نحو، بقي سؤالات:
السؤال الأول: لم وحد الساحر، ولم يجمع. الجواب: لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد فلو جمع تخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله: * (ولا يفلح الساحر حيث أتى) * أي هذا الجنس.
السؤال الثاني: لم نكر أولا ثم عرف ثانيا. الجواب: كأنه قال: هذا الذي أتوا به قسم واحد من أقسام السحر وجميع أقسام السحر لا فائدة فيه ولا شك أن هذا الكلام على هذا الوجه أبلغ.
السؤال الثالث: قوله: * (ولا يفلح الساحر حيث أتى) * يدل على أن الساحر لا يحصل له مقصوده بالسحر خيرا كان أو شرا وذلك يقتضي نفي السحر بالكلية. الجواب: الكلام في السحر وحقيقته قد تقدم في سورة البقرة فلا وجه للإعادة والله أعلم.
قوله تعالى * (فالقى السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى * قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فى جذوع