ثلاث. أحدها: قول الرجلين له لو كان عملك الذي كنا نرى لله تعالى لما أصابك الذي أصابك. وثانيها: كان لامرأته ثلاث ذوائب فعمدت إلى إحداها وقطعتها وباعتها فأعطوها بذلك خبزا ولحما فجاءت إلى أيوب عليه السلام فقال من أين هذا؟ فقالت: كل فإنه حلال فلما كان من الغد لم تجد شيئا فباعت الثانية وكذلك فعلت في اليوم الثالث، وقالت: كل فإنه حلال فقال: لا آكل ما لم تخبريني فأخبرته، فبلغ ذلك من أيوب ما الله به عليم، وقيل: إنما باعت ذوائبها لأن إبليس تمثل لقوم في صورة بشر، وقال: لئن تركتم أيوب في قريتكم فإني أخاف أن يعدي إليكم ما به من العلة فأخرجوه إلى باب البلد، ثم قال لهم: إن امرأته تدخل في بيوتكم وتعمل وتمس زوجها أما تخافون أن تعدي إليكم علته، فحينئذ لم يستعملها أحد فباعت ضفيرتها. وثالثها: حين قالت له امرأته ما قالت فحينئذ دعا. الرواية السادسة: قيل: سقطت دودة من فخذه فرفعها وردها إلى موضعها، وقال قد جعلني الله تعالى طعمة لك فعضته عضة شديدة، فقال: مسني الضر. فأوحى الله تعالى إليه لولا أني جعلت تحت كل شعرة منك صبرا لما صبرت.
المسألة الثانية: إعلم أن المعتزلة قد طعنوا في هذه القصة من وجوه. أحدها: قال الجبائي: ذهب بعض الجهال إلى أن ما كان به من المرض كان فعلا للشيطان سلطه الله عليه، لقوله تعالى حكاية عنه: * (مسني الشيطان بنصب وعذاب) * وهذا جهل، أما أولا فلأنه لو قدر على إحداث الأمراض والأسقام وضدهما من العافية لتهيأ له فعل الأجسام، ومن هذا حاله يكون إلها، وأما ثانيا فلأن الله تعالى أخبر عنه وعن جنوده بأنه قال: * (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) * (إبراهيم: 22) والواجب تصديق خبر الله تعالى، دون الرجوع إلى ما يروى عن وهب بن منبه رضي الله عنه. واعلم أن هذا الاعتراض ضعيف لأن المذكور في الحكاية أن الشيطان نفخ في منخره فوقعت الحكة فيه، فلم قلتم إن القادر على النفخة التي تولد مثل هذه الحكة لا بد وأن يكون قادرا على خلق الأجسام، وهل هذا إلا محض التحكم، وأما التمسك بالنص فضعيف لأنه إنما يقدم على هذا الفعل متى علم أنه لو أقدم عليه لما منعه الله تعالى عنه، وهذه الحالة لم تحصل إلا في حق أيوب عليه السلام على ما دلت الحكاية عليه من أنه استأذن الله تعالى فأذن له فيه، ومتى كان كذلك لم يبق بين ذلك النص وبين هذه الحكاية مناقضة. وثانيها: قالوا: ما روي أنه عليه السلام لم يسأل إلا عند أمور مخصوصة فبعيد، لأن الثابت في العقل أنه يحسن من المرء أن يسأل في ذلك ربه ويفزع إليه كما يحسن منه المداواة، وإذا جاز أن يسأل ربه عند الغم مما يراه من إخوانه وأهله جاز أيضا أن يسأل ربه من قبل نفسه، فإن قيل: أفلا يجوز أنه تعالى تعبده بأن لا يسأل الكشف إلا في آخر أمره، قلنا: يجوز ذلك بأن يعلمه بأن إنزال ذلك به مدة مخصوصة من مصالحه ومصالح غيره لا محالة، فعلم عليه السلام أنه لا وجه للمسألة في هذا الأمر الخاص، فإذا قرب الوقت جاز أن يسأل ذلك، من حيث يجوز أن يدوم ويجوز أن ينقطع. وثالثها: قالوا: انتهاء ذلك المرض إلى حد التنفير عنه غير