المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف ": قرىء: * (الحق) * بالرفع على توسط التوكيد بين السبب والمسبب، والمعنى أن إعراضهم بسبب الجهل هو الحق لا الباطل.
أما قوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) * فاعلم أن يوحى ونوحي قراءتان مشهورتان، وهذه الآية مقررة لما سبقها من آيات التوحيد.
قوله تعالى * (وقالوا اتخذ الرحمان ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إنى إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين) * اعلم أنه سبحانه وتعالى لما بين بالدلائل الباهرة كونه منزها عن الشريك والضد والند أردف ذلك ببراءته عن اتخاذ الولد فقال: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) * نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله وأضافوا إلى ذلك أنه تعالى صاهر الجن على ما حكى الله تعالى عنهم فقال: * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * (الصافات: 158) ثم إنه سبحانه وتعالى نزه نفسه عن ذلك بقوله سبحانه لأن الولد لا بد وأن يكون شبيها بالوالد فلو كان لله ولد لأشبهه من بعض الوجوه، ثم لا بد وأن يخالفه من وجه آخر وما به المشاركة غير ما به الممايزة فيقع التركيب في ذات الله سبحانه وتعالى وكل مركب ممكن، فاتخاذه للولد يدل على كونه ممكنا غير واجب. وذلك يخرجه عن حد الإلهية ويدخله في حد العبودية، ولذلك نزه نفسه عنه.
أما قوله: * (بل عباد مكرمون) * فاعلم أنه سبحانه لما نزه نفسه عن الولد أخبر عنهم بأنهم عباد والعبودية تنافي الولادة إلا أنهم مكرمون مفضلون على سائر العباد وقرئ: * (مكرمون، لا يسبقونه) * من سابقته فسبقته أسبقه. والمعنى أنهم يتبعونه في قوله ولا يقولون شيئا حتى يقوله فلا يسبق قولهم قوله، وكما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضا كذلك مبني على أمره لا يعملون عملا ما لم يؤمروا به.
ثم إنه سبحانه ذكر ما يجري مجرى السبب لهذه الطاعة فقال: * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * والمعنى أنهم لما علموا كونه سبحانه عالما بجميع المعلومات علموا كونه عالما بظواهرهم هم وبواطنهم، فكان ذلك داعيا لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية. وذكر