المسألة الثالثة: إنما ذكر تعالى هذا الاقتراب لما فيه من المصلحة للمكلفين فيكون أقرب إلى تلافي الذنوب والتحرر عنها خوفا من ذلك والله أعلم.
المسألة الرابعة: إنما لم يعين الوقت لأجل أن كتمانه أصلح، كما أن كتمان وقت الموت أصلح.
المسألة الخامسة: الفائدة في تسمية يوم القيامة بيوم الحساب أن الحساب هو الكاشف عن حال المرء فالخوف من ذكره أعظم.
المسألة السادسة: يجب أن يكون المراد بالناس من له مدخل في الحساب وهم المكلفون دون من لا مدخل له، ثم قال ابن عباس: المراد بالناس المشركون. وهذا من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم وهو ما يتلوه من صفات المشركين أما قوله تعالى: * (وهم في غفلة معرضون) * فاعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين الغفلة والإعراض. أما الغفلة فالمعنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء المحسن والمسئ ثم إذا انتبهوا من سنة الغفلة ورقدة الجهالة مما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم.
أما قوله: * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن أبي عبلة محدث بالرفع صفة للمحل.
المسألة الثانية: إنما ذكر الله تعالى ذلك بيانا لكونهم معرضين، وذلك لأن الله تعالى يجدد لهم الذكر وقتا فوقتا ويظهر لهم الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ليكرر على أسماعهم التنبيه والموعظة لعلهم يتعظون، فما يزيدهم ذلك إلا لعبا واستسخارا.
المسألة الثالثة: المعتزلة احتجوا على حدوث القرآن بهذه الآية فقالوا: القرآن ذكر والذكر محدث فالقرآن محدث، بيان أن القرآن ذكر قوله تعالى في صفة القرآن: * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * (ص: 87) وقوله: * (وإنه لذكر لك ولقومك) * (الزخرف: 44) وقوله: * (ص والقرآن ذي الذكر) * (ص: 1) وقوله: * (إنا نحن نزلنا الذكر) * (الحجر: 9) وقوله: * (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) * (يس: 69) وقوله: * (وهذا ذكر مبارك أنزلناه) * (الأنبياء: 5) وبيان أن الذكر محدث قوله في هذا الموضع: * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) * وقوله في سورة الشعراء: * (ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث) * ثم قالوا: فصار مجموع هاتين المقدمتين المنصوصتين كالنص في أن القرآن محدث والجواب من وجهين: الأول: أن قوله: * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * وقوله: * (وهذا ذكر مبارك) * إشارة إلى المركب من الحروف والأصوات فإذا ضممنا إليه قوله: * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) * لزم حدوث المركب من الحروف والأصوات وذلك مما لا نزاع فيه بل حدوثه معلوم بالضرورة، وإنما النزاع في قدم كلام الله تعالى بمعنى آخر. الثاني: أن قوله: * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) * لا يدل على حدوث كل ما كان ذكرا بل على ذكر ما محدث كما أن قول القائل لا يدخل هذه البلدة رجل فاضل إلا يبغضونه، فإنه لا يدل على أن كل رجل يجب أن يكون