ذلك لآيات لأولى النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم) * لا يليق بموسى عليه السلام وأيضا فقوله: * (فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى) * لا يليق بموسى لأن أكثر ما في قدرة موسى عليه السلام صرف المياه إلى سقي الأراضي وأما إخراج النبات على اختلاف ألوانها وطبائعها فليس من موسى عليه السلام فثبت أن هذا كلام الله ولا يجوز أن يقال كلام الله ابتداؤه من قوله: * (فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى) * لأن الفاء يتعلق بما قبله فلا يجوز جعل هذا كلام الله تعالى وجعل ما قبله كلام موسى عليه السلام فلم يبق إلا أن يقال: إن كلام موسى عليه السلام تم عند قوله: * (لا يضل ربي ولا ينسى) * ثم ابتدئ كلام الله تعالى من قوله: * (الذي جعل لكم الأرض مهدا) * ويكون التقدير هو الذي * (جعل لكم الأرض مهدا) * فيكون الذي خبر مبتدأ محذوف ويكون الانتقال من الغيبة إلى الخطاب التفاتا.
المسألة الثانية: ظاهر الآية يدل على أنه سبحانه إنه يخرج النبات من الأرض بواسطة إنزال الماء فيكون للماء فيه أثر وهذا بتقدير ثبوته لا يقدح في شيء من أصول الإسلام لأنه سبحانه وتعالى هو الذي أعطاها هذه الخواص والطبائع لكن المتقدمين من المتكلمين ينكرونه ويقولون لا تأثير له فيه البتة.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (أزواجا) * أي أصنافا سميت بذلك لأنها مزدوجة مقرونة بعضها مع بعض * (شتى) * صفة للأزواج جمع شتيت كمريض ومرضى ويجوز أن يكون صفة للنبات والنبات مصدر سمي به النابت كما يسمى بالنبت فاستوى فيه الواحد والجمع يعني أنها شتى مختلفة النفع والطعم والطبع بعضها يصلح للناس وبعضها يصلح للبهائم أما قوله: * (كلوا وارعوا أنعامكم) * فهو حال من الضمير في أخرجنا والمعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها. وقد تضمن قوله كلوا سائر وجوه المنافع فهو كقوله: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (البقرة: 188) وقوله: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * (النساء: 10) وقوله: * (كلوا) * أمر إباحة * (إن في ذلك) * أي فيما ذكرت من هذه النعم * (لآيات) * أي لدلالات لذوي النهى أي العقول والنهية العقل. قال أبو علي الفارسي: النهي يجوز أن يكون مصدرا كالهدى ويجوز أن يكون جمعا أما قوله: * (منها خلقناكم) * فاعلم أنه سبحانه لما ذكر منافع الأرض والسماء بين أنها غير مطلوبة لذاتها بل هي مطلوبة لكونها وسائل إلى منافع الآخرة فقال: * (منها خلقناكم) * وفيه سؤالان:
السؤال الأول: ما معنى قوله: * (منها خلقناكم) * مع أنه سبحانه وتعالى خلقنا من نطفة على ما بين ذلك في سائر الآيات. والجواب من وجهين: الأول: أنه لما خلق أصلنا وهو آدم عليه السلام من التراب على ما قال: * (كمثل آدم خلقه من تراب) * (آل عمران: 59) لا جرم أطلق ذلك علينا. الثاني: أن تولد الإنسان إنما هو من النطفة ودم الطمث وهما يتولدان من الأغذية، والغذاء إما حيواني أو نباتي والحيواني ينتهي إلى النبات والنبات إنما يحدث من امتزاج الماء والتراب فصح أنه تعالى خلقنا منها وذلك لا ينافي كوننا مخلوقين