الإيمان فرجوا أن يسمعوا خطاب: * (ألا تخافوا ولا تحزنوا) * (فصلت: 30) وأيضا لما نزلت السكينة صار من الخلفاء: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) * (النور: 55) أي أن يصيروا خلفاء الله في أرضه. وسابعها: المحبة والزينة: * (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينة في قلوبكم) * (الحجرات: 7) والنكتة أن من ألقى حبة في أرض فإنه لا يفسدها ولا يحرقها فهو سبحانه وتعالى ألقى حبة المحبة في أرض القلب فكيف يحرقها. وثامنها: * (وألف بين قلوبكم) * (الأنفال: 63) والنكتة أن محمدا صلى الله عليه وسلم ألف بين قلوب أصحابه ثم إنه ما تركهم (في) غيبة ولا حضور: " سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فالرحيم كيف يتركهم. وتاسعها: الطمأنينة: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) وموسى طلب الطمأنينة فقال: * (رب اشرح لي صدري) * والنكتة أن حاجة العبد لا نهاية لها فلهذا لو أعطى كل ما في العالم من الأجسام فإنه لا يكفيه لأن حاجته غير متناهية والأجسام متناهية والمتناهي لا يصير مقابلا لغير المتناهي بل الذي يكفي في الحاجة الغير المتناهية الكمال الذي لا نهاية له وما ذاك إلا للحق سبحانه وتعالى فلهذا قال: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * ولما عرفت حقيقة شرح الصدر للمؤمنين فاعرف صفات قلوب الكافرين لوجوه: أحدها: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم. وثانيها: ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم. وثالثها: في قلوبهم مرض. ورابعها: جعلنا قلوبهم قاسية. وخامسها: إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه. وسادسها: ختم الله على قلوبهم. وسابعها: أم على قلوب أقفالها. وثامنها: كلا بل ران على قلوبهم. وتاسعها: أولئك الذين طبع الله على قلوبهم. إلهنا وسيدنا بفضلك وإحسانك أغلق هذه الأبواب التسعة من خذلانك عنا واجبرنا بإحسانك وافتح لنا تلك الأبواب التسعة من إحسانك بفضلك ورحمتك إنك على ما تشاء قدير. الفصل الخامس: في حقيقة شرح الصدر، ذكر العلماء فيه وجهين: الأول: أن لا يبقى للقلب التفات إلى الدنيا لا بالرغبة ولا بالرهبة أما الرغبة فهي أن يكون متعلق القلب بالأهل والولد وبتحصيل مصالحهم ودفع المضار عنهم، وأما الرهبة فهي أن يكون خائفا من الأعداء والمنازعين فإذا شرح الله صدره صغر كل ما يتعلق بالدنيا في عين همته، فيصير كالذباب والبق والبعوض لا تدعوه رغبة إليها ولا تمنعه رهبة عنها، فيصير الكل عنده كالعدم وحينئذ يقبل القلب بالكلية نحو طلب مرضاة الله تعالى، فإن القلب في المثال كينبوع من الماء والقوة البشرية لضعفها كالينبوع الصغير فإذا فرقت ماء العين الواحدة على الجداول الكثيرة ضعفت الكل فأما إذا انصب الكل في موضع واحد قوي فسأل موسى عليه السلام ربه أن يشرح له صدره بأن يوفقه على معايب الدنيا وقبح صفاتها حتى يصير قلبه نفورا عنها فإذا حصلت النفرة توجه إلى عالم القدس ومنازل الروحانيات بالكلية. الثاني: أن موسى عليه السلام لما نصب لذلك المنصب العظيم احتاج إلى تكاليف شاقة منها ضبط الوحي والمواظبة على خدمة الخالق سبحانه وتعالى ومنها إصلاح العالم الجسداني فكأنه صار مكلفا بتدبير العالمين والالتفات إلى أحدهما يمنع من الاشتغال بالآخر، ألا ترى أن المشتغل بالإبصار يصير
(٤٣)