الصادقين صدقهم) * (المائدة: 119) فوجب أن ينفعه هذا الكلام فقيل له، ومن يدعه يقول: هذا الكلام أو يحتج؟ فقال ثمامة: أليس إذا منعه الله الكلام والحجة فقد علم أنه منعه مما لو لم يمنعه منه لانقطع في يده، وهذا نهاية الانقطاع. والجواب عن هذه الوجوه: أنها معارضة بمسألة الداعي ومسألة العلم ثم بالوجوه الثمانية التي بينا فيها أنه يستحيل طلب لمية أفعال الله تعالى وأحكامه.
وأما قوله تعالى: * (أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم) * فاعلم أنه سبحانه كرر قوله: * (أم اتخذوا من دونه آلهة) * استعظاما لكفرهم أي وصفتم الله بأن له شريكا فهاتوا برهانكم على ذلك. أما من جهة العقل، أو من جهة النقل فإنه سبحانه لما ذكر دليل التوحيد أولا وقرر الأصل الذي عليه تخرج شبهات القائلين بالتثنية ثانيا، أخذ يطالبهم بذكر شبهتهم ثالثا.
أما قوله تعالى: * (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تفسيره وفيه أقوال: أحدها: * (هذا ذكر من معي) * أي هذا هو الكتاب المنزل على من معي: * (وهذا ذكر من قبلي) * أي الكتاب المنزل على من تقدمني من الأنبياء وهو التوراة والإنجيل والزبور والصحف، وليس في شيء منها أنى أذنت بأن تتخذوا إلها من دوني بل ليس فيها إلا: * (أني أنا الله لا إله إلا أنا) * كما قال بعد هذا: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) * وهذا قول ابن عباس واختيار القفال والزجاج. والثاني: وهو قول سعيد ابن جبير وقتادة ومقاتل والسدي أن قوله: * (وذكر من قبلي) * صفة للقرآن فإنه كما يشتمل على أحوال هذه الأمة فكذا يشتمل على أحوال الأمم الماضية. الثالث: ما ذكره القفال وهو أن المعنى قل لهم هذا الكتاب الذي جئتكم به قد اشتمل على بيان أحوال من معي من المخالفين والموافقين وعلى بيان أحوال من قبلي من المخالفين والموافقين فاختاروا لأنفسكم، كأن الغرض منه التهديد.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف " قرىء: * (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) * بالتنوين ومن مفعول منصوب بالذكر كقوله: * (أو إطعام في يوم ذي مسبغة * يتيما) * (البلد: 14، 15) وهو الأصل والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول كقوله: * (غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) * (الروم: 2، 3) وقرئ: من معي ومن قبلي، بكسر ميم من على ترك الإضافة في هذه القراءة وإدخال الجار على مع غريب والعذر فيه أنه اسم هو ظرف نحو قبل وبعد فدخل من عليه كما يدخل على أخواته وقرئ: ذكر معي وذكر قبلي.
وأما قوله: * (بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: أنه سبحانه لما ذكر دليل التوحيد وطالبهم بالدلالة على ما ادعوه وبين أنه لا دليل لهم البتة عليه لا من جهة العقل ولا من جهة السمع، ذكر بعده أن وقوعهم في هذا المذهب الباطل ليس لأجل دليل ساقهم إليه، بل ذلك لأن عندهم ما هو أصل الشر والفساد كله وهو عدم العلم، ثم ترتب على عدم العلم الإعراض عن استماع الحق وطلبه.