إشارة إلى هؤلاء المنذرين كائنة للعهد لا للجنس، والأصل ولا يسمعون الدعاء إذا ما ينذرون فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصاممهم وسدهم أسماعهم إذا أنذروا أي هم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامم عن آيات الإنذار. ثم بين تعالى أن حالهم سيتغير إلى أن يصيروا بحيث إذا شاهدوا اليسير مما أنذروا به فعنده يسمعون ويعتذرون ويعترفون حين لا ينتفعون وهذا هو المراد بقوله: * (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) * وأصل النفح من الريح اللينة والمعنى ولئن مسهم شيء قليل من عذاب الله كالرائحة من الشيء دون جسمه لتنادوا بالويل واعترفوا على أنفسهم بالظلم. قال صاحب " الكشاف " في المس والنفحة ثلاث مبالغات: لفظ المس وما في النفح من معنى القلة والنزارة، يقال: نفحته الدابة وهو رمح يسير ونفحه بعطية رضخه، ولفظ المرة. ثم بين سبحانه وتعالى أن جميع ما ينزل بهم في الآخرة لا يكون إلا عدلا فهم وإن ظلموا أنفسهم في الدنيا فلن يظلموا في الآخرة وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى: * (ونضع الموازين بالقسط) * وصفها الله تعالى بذلك لأن الميزان قد يكون مستقيما وقد يكون بخلافه، فبين أن تلك الموازين تجري على حد العدل والقسط، وأكد ذلك بقوله: * (فلا تظلم نفس شيئا) * وههنا مسائل:
المسألة الأولى: معنى وضعها إحضارها، قال الفراء: القسط صفة الموازين وإن كان موحدا وهو كقولك للقوم: أنتم عدل، وقال الزجاج: ونضع الموازين ذوات القسط وقوله: * (ليوم القيامة) * قال الفراء في يوم القيامة وقيل لأهل يوم القيامة.
المسألة الثانية: في وضع الموازين قولان: أحدهما: قال مجاهد هذا مثل والمراد بالموازين العدل ويروى مثله عن قتادة والضحاك والمعنى بالوزن القسط بينهم في الأعمال فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه يعني أن حسناته تذهب بسيئاته ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفت موازينه أي أن سيئاته تذهب بحسناته، حكاه ابن جرير هكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. الثاني: وهو قول أئمة السلف أنه سبحانه يضع الموازين الحقيقية فتوزن بها الأعمال، وعن الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان وهو بيد جبريل عليه السلام. ويروى: " أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان فلما رآه غشي عليه، فلما أفاق قال: يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات، فقال: يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة " ثم على هذا القول في كيفية وزن الأعمال طريقان. أحدهما: أن توزن صحائف الأعمال. والثاني: يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة فإن قيل: أهل القيامة إما أن يكونوا عالمين بكونه سبحانه وتعالى عادلا غير ظالم أو لا يعلمون ذلك. فإن علموا ذلك كان مجرد حكمة كافيا في معرفة أن الغالب هو الحسنات أو السيئات فلا يكون في وضع الميزان فائدة البتة، وإن لم يعلموا لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف لاحتمال أنه سبحانه جعل إحدى الصحيفتين أثقل أو أخف ظلما فثبت أن وضع الميزان على كلا التقديرين خال عن الفائدة. وجوابه على قولنا قوله تعالى: * (لا يسأل