قلنا التلبيس غير لازم، لأن المتنبي إذا جعل ذلك معجزة لنفسه فللمدعي أن يقول: لم لا يجوز أن يقال إن قوة أجسادهم كانت معجزة لنبي آخر قبلك، ومع قيام هذا الاحتمال لا يتمكن المتنبي من الاستدلال به، واعلم أن أجسام هذا العالم إما كثيفة أو لطيفة، أما الكثيف فأكثف الأجسام الحجارة والحديد وقد جعلهما الله تعالى معجزة لداود عليه السلام، فأنطق الحجر ولين الحديد وكل واحد منهما كما يدل على التوحيد والنبوة يدل على صحة الحشر، لأنه لما قدر على إحياء الحجارة فأي بعد في إحياء العظام الرميمة، وإذا قدر على أن يجعل في إصبع داود عليه السلام قوة النار مع كون الإصبع في نهاية اللطافة، فأي بعد في أن يجعل التراب اليابس جسما حيوانيا، وألطف الأشياء في هذا العالم الهواء والنار، وقد جعلهما الله معجزة لسليمان عليه السلام، أما الهواء فقوله تعالى: * (فسخرنا له الريح) * وأما النار فلأن الشياطين مخلوقون منها وقد سخرهم الله تعالى فكان يأمرهم بالغوص في المياه والنار تنطفئ بالماء وهم ما كان يضرهم ذلك، وذلك يدل على قدرته على إظهار الضد من الضد. (القصة السادسة، قصة أيوب عليه السلام) قوله تعالى * (وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وءاتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) * اعلم أن في أمر أيوب عليه السلام وما ذكره الله تعالى من شأنه ههنا وفي غيره من ا لقرآن من العبر والدلائل ما ليس في غيره، لأنه تعالى مع عظيم فضله أنزل به من المرض العظيم ما أنزله مما كان غيره له ولغيره ولسائر من سمع بذلك وتعريفا لهم أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن الواجب على المرء أن يصبر على ما يناله من البلاء فيها، ويجتهد في القيام بحق الله تعالى ويصبر على حالتي الضراء والسراء وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال وهب بن منبه: كان أيوب عليه السلام رجلا من الروم وهو أيوب ابن أنوص وكان من ولد عيص بن إسحاق وكانت أمه من ولد لوط، وكان الله تعالى قد اصطفاه وجعله نبيا، وكان مع ذلك قد أعطاه من الدنيا حظا وافرا من النعم والدواب والبساتين وأعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء، وكان رحيما بالمساكين، وكان يكفل الأيتام والأرامل ويكرم