هذه الآية ردا عليهم وتعريفا لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن دين الاسلام هو السلام وهذا القرآن هو السلام إلى نيل كان فوز والسبب في إدراك كل سعادة وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها (وثانيها) أنه عليه السلام صلى بالليل حتى تورمت قدماه فقال له جبريل عليه السلام أبق على نفسك فان لها عليك حقا أي ما أنزلناه لتهلك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة العظيمة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وروى أيضا أنه عليه السلام كان إذا قام من الليل ربط صدره بحبل حتى لا ينام وقال بعضهم كان يقوم على رجل واحدة، وقال بعضهم كان يسهر طول الليل فأراد بقوله (لتشقى) ذلك، قال القاضي هذا بعيد لأنه عليه السلام إن فعل شيئا من ذلك فلا بد وأن يكون قد فعله بأمر الله تعالى، وإذا فعله بأمره فهو من باب السعادة فلا يجوز أن يقال له ما أمرناك بذلك (وثالثها) قال بعضهم يحتمل أن يكون المراد لا تشق على نفسك ولا تعذبها بالأسف على كفر هؤلاء فإنما إنما أنزلنا عليك القرآن لتذكر به، فمن آمن وأصلح فلنفسه ومن كفر فلا يحزنك كفره فما عليك إلا البلاغ وهو كقوله تعالى (لعلك باخع نفسك) الآية (ولا يحزنك قولهم) (ورابعها) أنك لا تلام على كفر قومك كقوله تعالى (لست عليهم بمسيطر، وما أنت عليهم بوكيل) أي ليس عليك كفرهم إذا بغلت ولا تؤاخذ بذنبهم (وخامسها) أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة وفى ذلك الوقت كان عليه السلام مقهورا تحت ذل أعدائه فكأنه سبحانه قال له لا تظن أنك تبقى على هذه الحالة أبدا بل يعلو أمرك ويظهر قدرك فانا ما أنزلنا عليك مثل هذا القرآن لتبقى شقيا فيما بينهم بل تصير معظما مكرما. وأما قوله تعالى (إلا تذكرة لمن يخشى) ففيه مسائل:
(المسألة الأولى) في كلمة إلا كلمة ههنا قولان (أحدهما) أنه استثناء منقطع بمعنى لكن (والثاني) التقدير ما أنزلنا عليك القرآن لتحمل متاعب التبليغ إلا ليكون تذكرة كما يقال ما شافهناك بهذا الكلام لتتأذى إلا ليعتبر بك غيرك.
(المسألة الثانية) إنما خص من يخشى بالتذكرة لانهم المنتفعون بها وإن كان ذلك عاما في الجميع وهو كقوله (هدى للمتقين) وقال سبحانه وتعالى (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقال (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) وقال (وتنذر به قوما لدا) وقال (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين).
المسألة الثالثة: وجه كون القرآن تذكرة أنه عليه السلام كان يعظمهم به وببيانه فيدخل تحت قوله لمن يخشى الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه في الخشية والتذكرة بالقرآن كان فوق الكل. وأما قوله تعالى: * (تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في نصب تنزيلا وجوها. أحدها: تقديره نزل تنزيلا ممن خلق الأرض فنصب تنزيلا بمضمر. وثانيها: أن ينصب بأنزلنا لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة أنزلناه