يجوز أن لا يعلم كل ما يناله وإنما يحرسه فيما يعلم فبين سبحانه وتعالى أنه معهما بالحفظ والعلم في جميع ما ينالهما وذلك هو النهاية في إزالة الخوف قال القفال قوله: * (أسمع وأرى) * يحتمل أن يكون مقابلا لقوله: * (أن يفرط علينا أو أن يطغى) * والمعنى: * (يفرط علينا) * بأن لا يسمع منا: * (أو أن يطغى) * بأن يقتلنا فقال الله تعالى: * (إنني معكما) * أسمع كلامه معكما فأسخره للاستماع منكما وأرى أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه، واعلم أن هذه الآية تدل على أن كونه تعالى سميعا وبصيرا صفتان زائدتان على العلم لأن قوله: * (إنني معكما) * دل على العلم فقوله: * (أسمع وأرى) * لو دل على العلم لكان ذلك تكريرا وهو خلاف الأصل ثم إنه سبحانه أعاد ذلك التكليف فقال: * (فاتياه) * لأنه سبحانه وتعالى قال في المرة الأولى: * (لنريك من آياتنا الكبرى * إذهب إلى فرعون) * (طه: 23، 24) وفي الثانية: * (إذهب أنت وأخوك) * وفي الثالثة: * (قال اذهبا إلى فرعون) * (طه: 43) وفي الرابعة قال ههنا فأتياه فإن قيل إنه تعالى أمرهما في المرة الثانية بأن يقولا له: * (قولا لينا) * (طه: 44) وفي هذه المرة الرابعة أمرهما: * (أن يقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل) * وفيه تغليظ من وجوه: أحدها: أن قوله: * (إنا رسولا ربك) * فيه أبحاث:
البحث الأول: انقياده إليهما والتزامه لطاعتهما وذلك يعظم على الملك المتبوع.
البحث الثاني: قوله: * (فأرسل معنا بني إسرائيل) * فيه إدخال النقص على ملكه لأنه كان محتاجا إليهم فيما يريده من الأعمال من بناء أو غيره.
البحث الثالث: قوله: * (ولا تعذبهم) *. البحث الرابع: قوله: * (قد جئناك بآية من ر بك) * فما الفائدة في التليين أولا والتغليظ ثانيا؟ قلنا: لأن الإنسان إذا ظهر لجاجه فلا بد له من التغليظ فإن قيل: أليس كان من الواجب أن يقولا إنا رسولا ربك قد جئناك بآية فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم، لأن ذكر المعجز مقرونا بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه؟ قلنا: بل هذا أولى من تأخيره عنه لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجزة، أما قوله: * (قد جئناك بآية من ربك) * ففيه سؤال وهو أنه تعالى أعطاه آيتين وهما العصا واليد ثم قال: * (اذهب أنت وأخوك بآياتي) * (طه: 42) وذلك يدل على ثلاث آيات وقال ههنا: * (جئناك بآية) * وهذا يدل على أنها كانت واحدة فكيف الجمع؟ أجاب القفال بأن معنى الآية الإشارة إلى جنس الآيات كأنه قال: قد جئناك ببيان من عند الله ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججا كثيرة، وأما قوله: * (والسلام على من اتبع الهدى) * فقال بعضهم هو من قول الله تعالى لهما كأنه قال: فقولا إنا رسولا ربك، وقولا له: والسلام على من اتبع الهدى، وقال آخرون بل كلام الله تعالى قد تم عند قوله: * (قد جئناك بآية من ربك) * فقوله بعد ذلك: * (والسلام على من اتبع الهدى) * وعد من قبلهما لمن آمن وصدق بالسلامة له من عقوبات الدنيا والآخرة، والسلام بمعنى السلامة كما يقال رضاع ورضاعة واللام وعلى ههنا بمعنى واحد كما قال