اختلفوا فيه فبعضهم قال: أشرك وكفر، وبعضهم قال: أسرف في أن عصى الله وقد بين تعالى المراد بذلك بقوله: * (ولم يؤمن بآيات ربه) * لأن ذلك كالتفسير لقوله: أسرف وبين أنه يجزي من هذا حاله بما تقدم ذكره من المعيشة الضنك والعمى وبين بعد ذلك أن: * (عذاب الآخرة أشد وأبقى) * أما الأشد فلعظمه، وأما الأبقى فلأنه غير منقطع.
قوله تعالى * (أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم إن فى ذلك لأيات لاولى النهى * ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى * فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءانآء اليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) * اعلم أنه تعالى لما بين أن من أعرض عن ذكره كيف يحشر يوم القيامة أتبعه بما يعتبر (به) المكلف من الأحوال الواقعة في الدنيا بمن كذب الرسل فقال: * (أفلم يهد لهم) * والقراءة العامة أفلم يهد بالياء المعجمة من تحت وفاعله هو قوله: * (كم أهلكنا) * قال القفال: جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم، كما جعل مثل ذلك واعظا لهم وزاجرا، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي أفلم نهد لهم بالنون، قال الزجاج: يعني أفلم نبين لهم بيانا يهتدون به لو تدبروا وتفكروا، وأما قوله: * (كم أهلكنا) * فالمراد به المبالغة في كثرة من أهلكه الله تعالى من القرون الماضية وأراد بقوله: * (يمشون في مساكنهم) * أن قريشا يشاهدون تلك الآيات العظيمة الدالة على ما كانوا عليه من النعم، وما حل بهم من ضروب الهلاك، وللمشاهدة في ذلك من الاعتبار ما ليس لغيره، وبين أن في تلك الآيات آيات لأولى النهى، أي لأهل العقول والأقرب أن للنهية مزية على العقل، والنهي لا يقال إلا فيمن له عقل ينتهي به عن القبائح، كما أن لقولنا: أولو العزم مزية على أولو الحزم، فلذلك قال بعضهم: أهل الورع وأهل التقوى، ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلا على