اذهبآ إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * اعلم أن السؤال هو الطلب فعل بمعنى مفعول كقولك خبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول، واعلم أن موسى عليه السلام لما سأل ربه تلك الأمور الثمانية، وكان من المعلوم أن قيامه بما كلف به تكليف لا يتكامل إلا بإجابته إليها، لا جرم أجابه الله تعالى إليها ليكون أقدر على الإبلاغ على الحد الذي كلف به فقال: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * وعد ذلك من النعم العظام عليه لما فيه من وجوه المصالح ثم قال: * (ولقد مننا عليك مرة أخرى) * فنبه بذلك على أمور: أحدها: كأنه تعالى قال: إني راعيت مصلحتك قبل سؤالك فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال. وثانيها: إني كنت قد ربيتك فلو منعتك الآن مطلوبك لكان ذلك ردا بعد القبول وإساءة بعد الإحسان فكيف يليق بكرمي. وثالثها: إنا لما أعطيناك في الأزمنة السالفة كل ما احتجت إليه ورقيناك من حالة نازلة إلى درجة عالية دل هذا على أن نصبناك لمنصب عال ومهم عظيم فكيف يليق بمثل هذه الرتبة المنع من المطلوب، وههنا سؤالان:
السؤال الأول: لم ذكر تلك النعم بلفظ المنة مع أن هذه اللفظة لفظة مؤذية والمقام مقام التلطف؟ والجواب إنما ذكر ذلك ليعرف موسى عليه السلام أن هذه النعم التي وصلت إليه ما كان مستحقا لشيء منها بل إنما خصه الله تعالى بها بمحض التفضل والإحسان.
السؤال الثاني: لم قال مرة أخرى مع أنه تعالى ذكر مننا كثيرة؟ والجواب: لم يعن بمرة أخرى مرة واحدة من المنن لأن ذلك قد يقال في القليل والكثير. واعلم أن المنن المذكورة ههنا ثمانية: المنة الأولى: قوله: * (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى * أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له) * أما قوله: * (إذ أوحينا) * فقد اتفق الأكثرون على أن أم موسى عليه السلام ما كانت من الأنبياء والرسل فلا يجوز أن يكون المراد من هذا الوحي هو الوحي الواصل إلى الأنبياء وكيف لا نقول ذلك والمرأة لا تصلح للقضاء والإمامة بل عند الشافعي رحمه الله لا تمكن من تزويجها نفسها فكيف تصلح للنبوة ويدل عليه قوله تعالى: * (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) * (الأنبياء: 7) وهذا صريح في الباب، وأيضا فالوحي قد جاء في القرآن لا بمعنى النبوة قال تعالى: * (وأوحى ربك إلى النحل) * (النحل: 68) وقال: * (وإذ أوحيت إلى الحواريين) * (المائدة: 111) ثم اختلفوا في المراد بهذا الوحي على وجوه: أحدها: المراد رؤيا رأتها أم موسى عليه السلام وكان تأويلها وضع موسى عليه السلام في التابوت وقذفه في البحر وأن الله تعالى يرده إليها. وثانيها: أن المراد عزيمة جازمة وقعت في قلبها دفعة واحدة فكل من تفكر فيما وقع إليه ظهر له الرأي الذي هو أقرب إلى الخلاص ويقال لذلك الخاطر إنه وحي. وثالثها: المراد منه الإلهام لكنا