صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعلي عليهما السلام كل صباح ويقول: " الصلاة " وكان يفعل ذلك أشهرا، ثم بين تعالى أنه إنما يأمرهم بذلك لمنافعهم وأنه متعال عن المنافع بقوله: * (لا نسألك رزقا نحن نرزقك) * وفيه وجوه. أحدها: قال أبو مسلم: المعنى أنه تعالى إنما يريد منه ومنهم العبادة ولا يريد منه أن يرزقه كما تريد السادة من العبيد الخراج، وهو كقوله تعالى: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) * (الذاريات: 56، 57). وثانيها: * (لا نسألك رزقا) * لنفسك ولا لأهلك بل نحن نرزقك ونرزق أهلك، ففرغ بالك لأمر الآخرة، وفي معناه قول الناس: من كان في عمل الله كان الله في عمله. وثالثها: المعنى أنا لما أمرناك بالصلاة فليس ذلك لأنا ننتفع بصلاتك. فعبر عن هذا المعنى بقوله: * (لا نسألك رزقا) * بل نحن نرزقك في الدنيا بوجوه النعم وفي الآخرة بالثواب، قال عبد الله بن سلام: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضيق أو شدة أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية " واعلم أنه ليس في الآية رخصة في ترك التكسب لأنه تعالى قال في وصف المتقين: * (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) * (النور: 37)، أما قوله: والعاقبة للتقوى فالمراد والعاقبة الجميلة لأهل التقوى يعني تقوى الله تعالى، ثم إنه سبحانه بعد هذه الوصية حكى عنهم شبهتهم، فكأنه من تمام قوله: * (فاصبر على ما يقولون) * (طه: 130) وهي قولهم: * (لولا يأتينا بآية من ربه) * أوهموا بهذا الكلام أنه يكلفهم الإيمان من غير آية، وقالوا في موضع آخر: * (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) * (الأنبياء: 5) وأجاب الله تعالى عنه بقوله: * (أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) * وفيه وجوه: أحدها: أن ما في القرآن إذ وافق ما في كتبهم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشتغل بالدراسة والتعلم وما رأى أستاذا البتة كان ذلك إخبارا عن الغيب فيكون معجزا. وثانيها: أن بينة ما في الصحف الأولى ما فيها من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنبوته وبعثته. وثالثها: ذكر ابن جرير والقفال (أن) المعنى: * (أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) * من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات وكفروا بها كيف عاجلناهم بالعقوبة فماذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآيات كحال أولئك، وإنما أتاهم هذا البيان في القرآن، فلهذا وصف القرآن بكونه: * (بينة ما في الصحف الأولى) * واعلم أنه إنما ذكر الضمير الراجع إلى البينة لأنها في معنى البرهان والدليل، ثم بين أنه تعالى أزاح لهم كل عذر وعلة في التكليف، فقال: * (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) * والمراد كان لهم أن يقولوا ذلك فيكون عذرا لهم، فأما الآن وقد أرسلناك وبينا على لسانك لهم ما عليهم وما لهم فلا حجة لهم البتة بل الحجة عليهم. ومعنى: * (من قبله) * يحتمل من قبل إرساله ويحتمل من قبل ما أظهره من البينات فإن قيل فما معنى قوله: * (ولو أنا أهلكناهم... لقالوا) * (طه: 134) والهالك لا يصح أن يقول قلنا المعنى لكان لهم أن يقولوا ذلك يوم القيامة ولذلك قال: * (من قبل أن نذل ونخزى) * وذلك لا يليق إلا بعذاب الآخرة، روي أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال عليه السلام: " يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة: الهالك في الفترة يقول لم يأتني رسول وإلا كنت أطوع خلقك لك. وتلا قوله: * (لولا
(١٣٧)