الفاء المفيد للتعقيب كأنه سبحانه قال يا محمد أجب عن هذا السؤال في الحال ولا تقتصر فإن الشك فيه كفر ولا تمهل هذا الأمر لئلا يقعوا في الشك والشبهة، ثم كيفية الجواب أنه قال: * (فقل ينسفها ربي نسفا) * ولا شك أن النسف ممكن لأنه ممكن في حق كل جزء من أجزاء الجبل والحس يدل عليه فوجب أن يكون ممكنا في حق كل الجبل وذلك يدل على أنه ليس بقديم ولا واجب الوجود لأن القديم لا يجوز عليه التغير والنسف، فإن قيل: إنهم قالوا: أخبرنا عن إلهك أهو ذهب أو فضة أو حديد فقال: * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) ولم يقل فقل هو الله أحد مع أن هذه المسألة من المهمات قلنا إنه تعالى لم يحك في هذا الموضع سؤالهم وحرف الفاء من الحروف العاطفة فيستدعي سبق كلام فلما لم يوجد ترك الفاء بخلاف ههنا فإنه تعالى حكى سؤالهم فحسن عطف الجواب عليه بحرف الفاء. وأما الصورة الثالثة: فإنه تعالى لم يذكر الجواب في قوله: * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) * فالحكمة فيه أن معرفة وقت الساعة على التعيين مشتملة على المفاسد التي شرحناها فيما سبق فلهذا لم يذكر الله تعالى ذلك الجواب وذلك يدل على أن من الأسئلة ما لا يجاب عنها. وأما الصورة الرابعة: وهي قوله: * (فإني قريب) * ولم يذكر في جوابه قل ففيه وجوه. أحدها: أن ذلك يدل على تعظيم حال الدعاء وأنه من أعظم العبادات فكأنه سبحانه قال: يا عبادي أنت إنما تحتاج إلى الواسطة في غير الدعاء أما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك يدل عليه أن كل قصة وقعت لم تكن معرفتها من المهمات. قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: أذكر لهم تلك القصة كقوله تعالى: * (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) * (المائدة: 27). * (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) * (الأعراف: 175). * (واذكر في الكتاب موسى) * (مريم: 51)، * (واذكر في الكتاب إسماعيل) * (مريم: 54). * (واذكر في الكتاب إدريس) * (مريم: 56). * (ونبئهم عن ضيف إبراهيم) * (الحجر: 51)، ثم قال في قصة يوسف: * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * (يوسف: 3) وفي أصحاب الكهف: * (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) * (الكهف: 13). وما ذاك إلا لما في هاتين القصتين من العجائب والغرائب، والحاصل كأنه سبحانه وتعالى قال: يا محمد إذا سئلت عن غيري فكن أنت المجيب، وإذا سئلت عني فاسكت أنت حتى أكون أنا القائل. وثانيها: أن قوله: * (وإذا سألك عبادي عني) * يدل على أن العبد له (أن يسأل) وقوله: * (فإني قريب) * يدل على أن الرب قريب من العبد. وثالثها: لم يقل فالعبد مني قريب، بل قال أنا منه قريب، وهذا فيه سر نفيس فإن العبد ممكن الوجود فهو من حيث هو، هو في مركز العدم وحضيض الفناء، فكيف يكون قريبا، بل القريب هو الحق سبحانه وتعالى فإنه بفضله وإحسانه جعله موجودا وقربه من نفسه فالقرب منه لا من العبد فلهذا قال: * (فإني قريب) *. ورابعها: أن الداعي ما دام يبقى خاطره مشغولا بغير الله تعالى فإنه لا يكون داعيا لله تعالى فإذا فنى عن الكل وصار مستغرقا بمعرفة الله الأحد الحق امتنع أن يبقى في مقام الفناء عن غير الله مع الالتفات إلى غير الله تعالى فلا جرم رفعت الواسطة من البين فما قال: فقل إني قريب بل قال: * (فإني قريب) * فثبت بما تقرر فضل الدعاء وأنه من أعظم القربات ثم من شأن العبد إذا أراد أن يتحف مولاه أن لا يتحفه إلا بأحسن التحف والهدايا فلا
(٣٦)