فالحصيد الزرع المحصود أي جعلناهم مثل الحصيد شبههم به في استئصالهم، كما تقول جعلناهم رمادا أي مثل الرماد فإن قيل: كيف ينصب جعل ثلاثة مفاعيل، قلت: حكم الاثنين الأخيرين حكم الواحد والمعنى جعلناهم جامعين لهذين الوصفين، والمراد أنهم أهلكوا بذلك العذاب حتى لم يبق لهم حس ولا حركة وجفوا كما يجف الحصيد، وخمدوا كما تخمد النار.
قوله تعالى * (وما خلقنا السمآء والارض وما بينهما لاعبين * لو أردنآ أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنآ إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) * اعلم أن فيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان: الأول: أنه تعالى لما بين إهلاك أهل القرية لأجل تكذيبهم اتبعه بما يدل على أنه فعل ذلك عدلا منه ومجازاة على ما فعلوا فقال: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) * أي وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من العجائب والغرائب كما تسوى الجبابرة سقوفهم وفرشهم للهو واللعب، وإنما سويناهم لفوائد دينية ودنيوية أما الدينية فليتفكر المتفكرون فيها على ما قال تعالى: * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * (آل عمران: 191) وأما الدنيوية فلما يتعلق بها من المنافع التي لا تعد ولا تحصى وهذا كقوله: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * (ص: 27) وقوله: * (ما خلقناهما إلا بالحق) * (الدخان: 39). والثاني: أن الغرض منه تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والرد على منكريه لأنه أظهر المعجزة عليه فإن كان محمد كاذبا كان إظهار المعجزة عليه من باب اللعب وذلك منفي عنه وإن كان صادقا فهو المطلوب وحينئذ يفسد كل ما ذكروه من المطاعن.
المسألة الثانية: قال القاضي عبد الجبار: دلت الآية على أن اللعب ليس من قبله تعالى إذ لو كان كذلك لكان لاعبا فإن اللاعب في اللغة اسم لفاعل اللعب فنفى الاسم الموضوع للفعل يقتضي نفي الفعل. والجواب: يبطل ذلك بمسألة الداعي عن ما مر غيره مرة أما قوله: * (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) * فاعلم أن قوله: * (لاتخذناه من لدنا) * معناه من جهة قدرتنا. وقيل: اللهو الولد بلغة اليمن وقيل: المرأة وقيل من لدنا أي من الملائكة لا من الإنس ردا لمن قال بولادة المسيح وعزيز فأما قوله تعالى: * (بل نقذف بالحق على الباطل) * فاعلم أن قوله: * (بل) *