السؤال الأول: قوله: * (قالا ربنا) * يدل على أن المتكلم بذلك موسى وهارون عليهما السلام وهارون لم يكن حاضرا هذا المقال فكيف ذلك وجوابه قد تقدم.
السؤال الثاني: أن موسى عليه السلام قال: * (رب اشرح لي صدري) * (طه: 25) فأجابه الله تعالى بقوله: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * (طه: 36) وهذا يدل على أنه قد انشرح صدره وتيسر أمره فكيف قال بعده: * (إننا نخاف) * فإن حصول الخوف يمنع من حصول شرح الصدر. والجواب: أن شرح الصدر عبارة عن تقويته على ضبط تلك الأوامر والنواحي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليه السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف.
السؤال الثالث: أما علم موسى وهارون وقد حملهما الله تعالى الرسالة أنه تعالى يؤمنهما من القتل الذي هو مقطعة عن الأداء. الجواب: قد أمنا ذلك وإن جوزا أن ينالهما السوء من قبل تمام الأداء أو بعده وأيضا فإنهما استظهرا بأن سألا ربهما ما يزيد في ثبات قلبهما على دعائه وذلك بأن ينضاف الدليل النقلي إلى العقلي زيادة في الطمأنينة كما قال: * (ولكن ليطمئن قلبي) * (البقرة: 260).
السؤال الرابع: لما تكرر الأمر من الله تعالى بالذهاب فعدم الذهاب والتعلل بالخوف هل يدل على المعصية. الجواب: لو اقتضى الأمر الفور لكان ذلك من أقوى الدلائل على المعصية لا سيما وقد أكثر الله تعالى من أنواع التشريف وتقوية القلب وإزالة الغم ولكن ليس الأمر على الفور فزال السؤال وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الرسل أما قوله تعالى: * (أن يفرط علينا أو أن يطغى) * فاعلم أن في: * (أن يفرط) * وجوها. أحدها: فرط سبق وتقدم ومنه الفارط الذي يتقدم الواردة وفرس فرط يسبق الخيل والمعنى نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة. وثانيها: أنه مأخوذ من أفرط غيره إذا حمله على العجلة فكان موسى وهارون عليهما السلام خافا من أن يحمله حامل على المعاجلة بالعقوبة وذلك الحامل هو إما الشيطان أو إدعاؤه للربوبية أو حبه للرياسة أو قومه وهم القبط المتمردون الذين حكى الله تعالى عنهم: * (قال الملأ من قومه) * (الأعراف: 60). وثالثها: يفرط من الإفراط في الأذية أما قوله: * (أو أن يطغى) * فالمعنى يطغى بالتخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجراءته عليك واعلم أن من أمر بشيء فحاول دفعه بأعذار يذكرها فلا بد وأن يختم كلامه بما هو الأقوى وهذا كما أن الهدهد ختم عذره بقوله: * (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله) * (النمل: 24) فكذا ههنا بدأ موسى بقوله: * (أن يفرط علينا) * وختم بقوله: * (أو أن يطغى) * لما أن طغيانه في حق الله تعالى أعظم من إفراطه في حق موسى وهارون عليهما السلام. أما قوله: * (قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) * فالمراد لا تخافا مما عرض في قلبكما من الإفراط والطغيان لأن ذلك هو المفهوم من الكلام يبين ذلك أنه تعالى لم يؤمنهما من الرد ولا من التكذيب بالآيات ومعارضة السحرة أما قوله: * (إنني معكما) * فهو عبارة عن الحراسة والحفظ وعلى هذا الوجه يقال: الله معك على وجه الدعاء وأكد ذلك بقوله: * (أسمع وأرى) * فإن من يكون مع الغير وناصرا له وحافظا