اضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو واللعب بل من عادتنا وموجب حكمتنا أن نغلب اللعب بالجد وندحض الباطل بالحق، واستعار لذلك القذف والدمغ تصويرا لإبطاله فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة مثلا قذف به على جرم رخو فدمغه، فأما قوله تعالى: * (ولكم الويل مما تصفون) * يعني من تمسك بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ونسب القرآن إلى أنه سحر وأضغاث أحلام إلى غير ذلك من الأباطيل، وهو الذي عناه بقوله: * (مما تصفون) *.
قوله تعالى * (وله من فى السماوات والارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان. الأول: أنه تعالى لما نفى اللعب عن نفسه ونفي اللعب لا يصح إلا بنفي الحاجة ونفي الحاجة لا يصح إلا بالقدرة التامة، لا جرم عقب تلك الآية بقوله: * (وله من في السماوات والأرض) * لدلالة ذلك على كمال الملك والقدرة. الثاني: وهو الأقرب أنه تعالى لما حكى كلام الطاعنين في النبوات وأجاب عنها وبين أن غرضهم من تلك المطاعن التمرد وعدم الإنقياد بين في هذه الآية أنه تعالى منزه عن طاعتهم لأنه هو المالك لجميع المحدثات والمخلوقات، ولأجل أن الملائكة مع جلالتهم مطيعون له خائفون منه فالبشر مع نهاية الضعف أولى أن يطيعوه.
المسألة الثانية: قوله: * (وله من في السماوات والأرض) * معناه أن كل المكلفين في السماء والأرض فهم عبيده وهو الخالق لهم والمنعم عليهم بأصناف النعم، فيجب على الكل طاعته والانقياد لحكمه.
المسألة الثالثة: دلالة قوله: * (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته) * على أن الملك أفضل من البشر من ثلاثة أوجه قد تقدم بيانها في سورة البقرة.
المسألة الرابعة: قوله: * (ومن عنده) * المراد بهم الملائكة بإجماع الأمة ولأنه تعالى وصفهم بأنهم: * (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) * وهذا لا يليق بالبشر وهذه العندية عندية الشرف والرتبة لا عندية المكان والجهة، فكأنه تعالى قال: الملائكة مع كمال شرفهم ونهاية جلالتهم لا يستكبرون عن طاعته فكيف يليق بالبشر الضعيف التمرد عن طاعته.
المسألة الخامسة: قال الزجاج: ولا يستحسرون ولا يتعبون ولا يعيون قال صاحب " الكشاف ": فإن قلت الاستحسار مبالغة في الحسور فكأن الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى