مأمورا بالذهاب على الانفراد فقيل مرة أخرى اذهبا ليعرفا أن المراد منه أن يشتغلا بذلك جميعا لا أن ينفرد به هارون دون موسى. والثاني: أن قوله: * (اذهب أنت وأخوك بآياتي) * أمر بالذهاب إلى كل الناس من بني إسرائيل وقوم فرعون، ثم إن قوله: * (إذهبا إلى فرعون) * أمر بالذهاب إلى فرعون وحده.
السؤال الثاني: قوله: * (إذهبا إلى فرعون) * خطاب مع موسى وهارون عليهما السلام وهذا مشكل لأن هارون عليه السلام لم يكن حاضرا هناك وكذلك في قوله تعالى: * (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) * (طه: 45) أجاب القفال عنه من وجوه. أحدها: أن الكلام كان مع موسى عليه السلام وحده إلا أنه كان متبوع هارون فجعل الخطاب معه خطابا مع هارون وكلام هارون على سبيل التقدير فالخطاب في تلك الحالة وإن كان مع موسى عليه السلام وحده إلا أنه تعالى أضافه إليهما كما في قوله: * (وإذ قتلتم نفسا) * (البقرة: 72) وقوله: * (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) * (المنافقون: 8) وحكي أن القائل هو عبد الله بن أبي وحده. وثانيها: يحتمل أن الله تعالى لما قال: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * سكت حتى لقي أخاه، ثم إن الله تعالى خاطبهما بقوله: * (اذهبا إلى فرعون) *. وثالثها: أنه حكى أنه في مصحف ابن مسعود وحفصة: * (قال ربنا إننا نخاف) * أي قال موسى: أنا وأخي نخاف فرعون أما قوله تعالى: * (فقولا له قولا لينا) * ففيه سؤالان:
السؤال الأول: لم أمر الله تعالى موسى عليه السلام باللين مع الكافر الجاحد. الجواب لوجهين: الأول: أنه عليه السلام كان قد رباه فرعون فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق وهذا تنبيه على نهاية تعظيم حق الأبوين. الثاني: أن من عادة الجبابرة إذا غلظ لهم في الوعظ أن يزدادوا عتوا وتكبرا، والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر فلهذا أمر الله تعالى بالرفق.
السؤال الثاني: كيف كان ذلك الكلام اللين. الجواب: ذكروا فيه وجوها. أحدها: ما حكى الله تعالى بعضه فقال: * (هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى) * (النازعات: 18، 19) وذكر أيضا في هذه السورة بعض ذلك فقال: * (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك) * (طه: 47) إلى قوله: * (والسلام على من اتبع الهدى) * (طه: 47). وثانيها: أن تعداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته. وثالثها: كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة. ورابعها: حكى عن عمرو بن دينار قال: بلغني أن فرعون عمر أربعمائة سنة وتسع سنين فقال له موسى عليه السلام: إن أطعتني عمرت مثل ما عمرت فإذا مت فلك الجنة واعترضوا على هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة. أما الأول: فقيل لو حصلت له هذه الأمور الثلاثة في هذه المدة الطويلة لصار ذلك كالإلجاء إلى معرفة الله تعالى وذلك لا يصح مع التكليف. وأما الثاني: فلأن خطابه بالكنية أمر سهل فلا يجوز أن يجعل ذلك هو المقصود من قوله: * (فقولا له قولا لينا) *