القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامرى * فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذآ إلهكم وإله موسى فنسى * أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) * اعلم أنه تعالى لما قال لموسى: * (وما أعجلك عن قومك) * (طه: 83) وقال موسى في جوابه: * (وعجلت إليك رب لترضى) * (طه: 84) عرفه الله تعالى ما حدث من القوم بعد أن فارقهم مما كان يبعد أن يحدث لو كان معهم فقال: * (فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري) * وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قالت المعتزلة: لا يجوز أن يكون المراد أن الله تعالى خلق فيهم الكفر لوجهين، الوجه الأول: الدلائل العقلية الدالة على أنه لا يجوز من الله أن يفعل ذلك. الثاني: أنه قال: * (وأضلهم السامري) * ولو كان الله خلق الضلال فيهم لم يكن لفعل السامري فيه أثر وكان يبطل قوله: * (وأضلهم السامري) * وأيضا فلأن موسى عليه السلام لما طالبهم بذكر سبب تلك الفتنة قال: * (أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم) * فلو حصل ذلك بخلق الله تعالى لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فينا لا ما ذكرت فكان يبطل تقسيم موسى عليه السلام وأيضا فقال: * (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم) * ولو كان ذلك بخلقه لاستحال أن يغضب عليهم فيما هو الخالق له ولما بطل ذلك وجب أن يكون لقوله: * (فتنا) * معنى آخر وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان. يقال: فتنت الذهب بالنار إذا امتحنته بالنار لكي يتميز الجيد من الردئ فههنا شدد الله التكليف عليهم وذلك لأن السامري لما أخرج لهم ذلك العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أن لها إلها ليس بجسم وحينئذ يعرفون أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديدا في التكليف فكان فتنة والتشديد في التكليف موجود قال تعالى: * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) * (العنكبوت: 2) هذا تمام كلام المعتزلة قال الأصحاب: ليس في ظهور صوت عن عجل متخذ من الذهب شبهة أعظم مما في الشمس والقمر والدليل الذي ينفي كون الشمس والقمر إلها أولى بأن ينفي كون ذلك العجل إلها فحينئذ لا يكون حدوث ذلك العجل تشديدا في التكليف فلا يصح حمل الآية عليه فوجب حمله على خلق الضلال