فقال بعضهم: الأمثل: الأشبه بالحق، وقيل: الأمثل الأوضح والأظهر، ثم إنه تعالى لما حكى عنهم مبالغتهم في التنفير عن موسى عليه السلام والترغيب في إبطال أمره حكى عنهم أنهم قالوا: * (فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا) * قرأ أبو عمرو بوصل الألف وفتح الميم من أجمعوا يعني لا تدعوا شيئا من كيدهم إلا جئتم به دليله قوله: * (فجمع كيده) * وقرأ الباقون بقطع الألف وكسر الميم وله وجهان: أحدهما: قال الفراء: الإجماع الأحكام والعزيمة على الشيء، يقال: أجمعت على الخروج مثل أزمعت. والثاني: بمعنى الجمع وقد مضى الكلام في هذا عند قوله: * (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) * (يونس: 71) قال الزجاج: ليكن عزمكم كلكم كاليد مجمعا عليه لا تختلفوا ثم ائتوا صفا، ذكر أبو عبيدة والزجاج وجهين: أحدهما: أن الصف موضع الجمع والمعنى ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم، والمعنى: ائتوا مصلى من المصليات أو كان الصف علما للمصلى بعينه فأمروا بأن يأتوه. والثاني: أن يكون الصف مصدرا والمعنى ثم ائتوا مصطفين مجتمعين لكي يكون أنظم لأمركم وأشد لهيبتكم، وهذا قول عامة المفسرين، وقوله: * (وقد أفلح اليوم من استعلى) * اعتراض، يعني: وقد فاز من غلب فكانوا يقرون بذلك أنفسهم فيما اجتمعوا عليه من إظهار ما يظهرونه من السحر.
قوله تعالى * (قالوا ياموسى إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس فى نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى * وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) * اعلم أنه لما تقدم ذكر الموعد وهو يوم الزينة وتقدم أيضا قوله: * (ثم ائتوا صفا) * (طه: 64) صار ذلك مغنيا عن قوله فحضروا هذا الموضع وقالوا: * (إما أن تلقي) * لدلالة ما تقدم عليه وقوله: * (إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى) * معناه إما أن تلقى ما معك قبلنا، وإما أن نلقى ما معنا قبلك، وهذا التخيير مع تقديمه في الذكر حسن أدب منهم وتواضع له، فلا جرم رزقهم الله تعالى الإيمان ببركته، ثم إن موسى عليه السلام قابل أدبهم بأدب فقال: * (بل ألقوا) * أما قوله: * (بل ألقوا) * ففيه سؤالان: