واللسان آلة الذكر فكيف يحترق ولأن إبراهيم عليه السلام لم يحترق بنار نمروذ وموسى عليه السلام لم يحترق حين ألقى في التنور فكيف يحترق هنا؟ ومنهم من قال: احترقت اليد دون اللسان لئلا يحصل حق المواكلة والممالحة. الثالث: احترق اللسان دون اليد لأن الصولة ظهرت باليد أما اللسان فقد خاطبه بقوله يا أبت. والرابع: احترقا معا لئلا تحصل المواكلة والمخاطبة.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أنه عليه السلام لم طلب حل تلك العقدة على وجوه. أحدها: لئلا يقع في أداء الرسالة خلل البتة. وثانيها: لإزالة التنفير لأن العقدة في اللسان قد تفضي إلى الاستخفاف بقائلها وعدم الالتفات إليه. وثالثها: إظهارا للمعجزة فكما أن حبس لسان زكريا عليه السلام عن الكلام كان معجزا في حقه فكذا إطلاق لسان موسى عليه السلام معجز في حقه. ورابعها: طلب السهولة لأن إيراد مثل هذا الكلام على مثل فرعون في جبروته وكبره عسر جدا فإذا انضم إليه تعقد اللسان بلغ العسر إلى النهاية، فسأل ربه إزالة تلك العقدة تخفيفا وتسهيلا.
المسألة الرابعة: قال الحسن رحمه الله: إن تلك العقدة زالت بالكلية بدليل قوله تعالى: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * (طه: 36) وهو ضعيف لأنه عليه السلام لم يقل واحلل العقدة من لساني بل قال: * (واحلل عقدة من لساني) * فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله سؤله، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء قليل لقوله: حكاية عن فرعون * (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) * (الزخرف: 52) أي يقارب أن لا يبين وفي ذلك دلالة على أنه كان يبين مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب عنه من وجهين. أحدهما: المراد بقوله: ولا يكاد يبين أي لا يأتي ببيان ولا حجة. والثاني: إن كاد بمعنى قرب ولو كان المراد هو البيان اللساني لكان معناه أنه لا يقارب البيان فكان فيه نفي البيان بالكلية وذلك باطل لأنه خاطب فرعون والجمع وكانوا يفقهون كلامه فكيف يمكن نفي البيان أصلا بل إنما قال ذلك تمويها ليصرف الوجوه عنه قال أهل الإشارة إنما قال: * (واحلل عقدة من لساني) * لأن حل العقد كلها نصيب محمد صلى الله عليه وسلم وقال تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * (الأنعام: 152) فلما كان ذلك حقا ليتيم أبي طالب لا جرم ما دار حوله والله أعلم.
المطلوب الرابع: قوله: * (واجعل لي وزيرا من أهل) * واعلم أن طلب الوزير إما أن يكون لأنه خاف من نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر فطلب المعين أو لأنه رأى أن للتعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة مزية عظيمة في أمر الدعاء إلى الله ولذلك قال عيسى ابن مريم: * (من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله) * (آل عمران: 52) وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) * (الأنفال: 64) وقال عليه السلام: " إن لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين، فاللذان في السماء جبريل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر " وههنا مسائل:
المسألة الأولى: الوزير من الوزر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه أو من الوزر