وكذلك الأرضون. وثالثها: وهو قول ابن عباس والحسن وأكثر المفسرين أن السماوات والأرض كانتا رتقا بالاستواء والصلابة ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات والشجر، ونظيره قوله تعالى: * (والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع) * (الطارق: 11، 12) ورجحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم ولا يكون كذلك إلا إذا كان المراد ما ذكرنا. فإن قيل: هذا الوجه مرجوح لأن المطر لا ينزل من السماوات بل من سماء واحدة وهي سماء الدنيا، قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع، لأن كل قطعة منها سماء، كما يقال: ثوب أخلاق وبرمة أعشار. واعلم أن هذا التأويل يجوز حمل الرؤية على الإبصار. ورابعها: قول أبي مسلم الأصفهاني: يجوز أن يراد بالفتق الإيجاد والإظهار كقوله: * (فاطر السماوات والأرض) * (الشورى: 11) وكقوله: * (قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن) * (الأنبياء: 56) فأخبر عن الإيجاد بلفظ الفتق وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ الرتق. أقول وتحقيقه أن العدم نفي محض، فليس فيه ذوات مميزة وأعيان متباينة، بل كأنه أمر واحد متصل متشابه، فإذا وجدت الحقائق فعند الوجود والتكون يتميز بعضها عن بعض وينفصل بعضها عن بعض، فبهذا الطريق حسن جعل الرتق مجازا عن العدم والفتق عن الوجود. وخامسها: أن الليل سابق على النهار، لقوله تعالى: * (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) * (يس: 37) وكانت السماوات والأرض مظلمة أولا ففتقهما الله تعالى بإظهار النهار المبصر، فإن قيل: فأي الأقاويل أليق بالظاهر؟ قلنا: الظاهر يقتضي أن السماء على ما هي عليه، والأرض على ما هي عليه كانتا رتقا، ولا يجوز كونهما كذلك إلا وهما موجودان، والرتق ضد الفتق فإذا كان الفتق هو المفارقة فالرتق يجب أن يكون هو الملازمة، وبهذا الطريق صار الوجه الرابع والخامس مرجوحا، ويصير الوجه الأول أولى الوجوه ويتلوه الوجه الثاني. وهو أن كل واحد منهما كان رتقا ففتقهما بأن جعل كل واحد منهما سبعا، ويتلوه الثالث وهو أنهما كانا صلبين من غير فطور وفرج، ففتقهما لينزل المطر من السماء، ويظهر النبات على الأرض.
المسألة السادسة: دلالة هذه الوجوه على إثبات الصانع وعلى وحدانيته ظاهرة، لأن أحدا لا يقدر على مثل ذلك، والأقرب أنه سبحانه خلقهما رتقا لما فيه من المصلحة للملائكة، ثم لما أسكن الله الأرض أهلها جعلهما فتقا لما فيه من منافع العباد.
النوع الثاني من الدلائل: قوله تعالى: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف " قوله: وجعلنا لا يخلو إما أن يتعدى إلى واحد أو اثنين، فإن تعدى إلى واحد فالمعنى خلقنا من الماء كل حيوان كقوله: * (والله خلق كل دابة من ماء) * (النور: 45) أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله: * (خلق الإنسان من عجل) * (الأنبياء: 37) وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه ومن هذا نحو من