الثاني: أن الآية تدل على الصلوات الخمس وزيادة، أما دلالتها على الصلوات الخمس فلأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها، فالليل والنهار داخلان في هاتين العبارتين، فأوقات الصلوات الواجبة دخلت فيهما، بقي قوله: * (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) * وأطراف النهار للنوافل. القول الثالث: أنها تدل على أقل من الخمس، فقوله: قبل طلوع الشمس للفجر، وقبل غروبها للعصر، ومن آناء الليل للمغرب والعتمة، فيبقى الظهر خارجا. والقول الأول أقوى وبالاعتبار أولى. هذا كله إذا حملنا التسبيح على الصلاة، قال أبو مسلم: لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات، وهذا القول أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره، وذلك لأنه تعالى صبره أولا على ما يقولون من تكذيبه ومن إظهار الشرك والكفر، والذي يليق بذلك أن يأمر بتنزيهه تعالى عن قولهم حتى يكون دائما مظهرا لذلك وداعيا إليه فلذلك قال ما يجمع كل الأوقات.
المسألة الرابعة: أفضل الذكر ما كان بالليل لأن الجمعية فيه أكثر. وذلك لسكون الناس وهدء حركاتهم وتعطيل الحواس عن الحركات وعن الأعمال، ولذلك قال سبحانه وتعالى: * (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا) * (المزمل: 6) وقال: * (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة) * (الزمر: 9) ولأن الليل وقت السكون والراحة. فإذا صرف إلى العبادة كانت على الأنفس أشق وللبدن أتعب فكانت أدخل في استحقاق الأجر والفضل.
المسألة الخامسة: لقائل أن يقول: النهار له طرفان فكيف قال: * (وأطراف النهار) * بل الأولى أن يقول كما قال: * (وأقم الصلاة طرفي النهار) * (هود: 114)، وجوابه من الناس من قال أقل الجمع اثنان فسقط السؤال، ومنهم من قال: إنما جمع لأنه يتكرر في كل نهار ويعود، أما قوله تعالى: * (لعلك ترضى) * ففيه وجوه. أحدها: أن هذا كما يقول الملك الكبير: يا فلان اشتغل بالخدمة فلعلك تنتفع به ويكون المراد إني أوصلك إلى درجة عالية في النعمة، وهو إشارة إلى قوله: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * (الضحى: 5) وقوله: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *، وثانيها: لعلك ترضى ما تنال من الثواب. وثالثها: لعلك ترضى ما تنال من الشفاعة. وقرأ الكسائي وعاصم: لعلك ترضى بضم التاء والمعنى لا يختلف لأن الله تعالى إذا أرضاه فقد رضيه وإذا رضيه فقد أرضاه.
قوله تعالى * (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى * وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة