مخصوص بالدلائل العقلية والسمعية في حق الملائكة والمسيح وعزير لبراءتهم من الذنوب والمعاصي، ووعد الله إياهم بكل مكرمة، وهذا هو المراد من قوله سبحانه: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) * (الأنبياء: 101). وخامسها: الجواب الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنهم كانوا يعبدون الشياطين، فإن قيل الشياطين عقلاء، ولفظ ما لا يتناولهم فكيف قال الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قلنا كأنه عليه السلام قال: لو ثبت لكم أنه يتناول العقلاء فسؤالكم أيضا غير لازم من هذا الوجه. وأما ما قيل: إنه عليه السلام سكت عند إيراد ابن الزبعري هذا السؤال فهو خطأ لأنه لا أقل من أنه عليه السلام كان يتنبه لهذه الأجوبة التي ذكرها المفسرون، لأنه عليه السلام كان أعلم منهم باللغة وبتفسير القرآن، فكيف يجوز أن تظهر هذه الأجوبة لغيره، ولا يظهر شيء منها له عليه السلام. فإن قيل: جوزوا أن يسكت عليه السلام انتظارا للبيان قلنا: لما كان البيان حاضرا معه لم يجز عليه السكوت لكي لا يتوهم فيه الانقطاع عن سؤالهم، ومن الناس من أجاب عن سؤال ابن الزبعري فقال: إن الله تعالى يصور لهم في النار ملكا على صورة من عبدوه، وحينئذ تبقى الآية على ظاهرها واعلم أن هذا ضعيف من وجهين. الأول: أن القوم لم يعبدوا تلك الصورة وإنما عبدوا شيئا آخر لم يحصل معهم في النار. الثاني: وهو أن الملك لا يصير حصب جهنم في الحقيقة وإن صح أن يدخلها، فإن خزنة النار يدخلونها مع أنهم ليسوا حصب جهنم.
المسألة الثانية: الحكمة في أنهم قرنوا بآلهتهم أمور. أحدها: أنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة، لأنهم ما وقعوا في ذلك العذاب إلا بسببهم والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب. وثانيها: أن القوم قدروا أنهم يشفعون لهم في الآخرة في دفع العذاب، فإذا وجدوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم. وثالثها: أن إلقاءها في النار يجري مجرى الاستهزاء بعبادها. ورابعها: قيل ما كان منها حجرا أو حديدا يحمى ويلزق بعبادها، وما كان خشبا يجعل جمرة يعذب بها صاحبها.
أما قوله تعالى: * (حصب جهنم) * فالمراد يقذفون في نار جهنم فشبههم بالحصباء التي يرمى بها الشيء فلما رمى بها كرمي الحصباء، جعلهم حصب جهنم تشبيها، قال صاحب " الكشاف ": الحصب الرمي وقرئ بسكون الصاد وصفا بالمصدر، وقرئ حطب وحضب بالضاد المنقوطة متحركا وساكنا.
أما قوله تعالى: * (أنتم لها واردون) * فإنما جاز مجيء اللام في لها لتقدمها على الفعل تقول أنت لزيد ضارب كقوله تعالى: * (والذين هم لأماناتهم وعهدهم) * ( المؤمنون: 8) * (والذين هم لفروجهم) * (المؤمنون: 5) أي أنتم فيها داخلون، والمعنى أنه لا بد وأن تردوها ولا معدل لكم عن دخولها. أما قوله تعالى: * (لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها) * فاعلم أن قوله: * (إنكم وما تعبدون من دون الله) * بالأصنام أليق لدخول لفظة ما، وهذا الكلام بالشياطين أليق لقوله هؤلاء ويحتمل أن يريد