العاملين) * (الزمر: 74)، وأما ثانيا: فلأنها الأرض التي يختص بها الصالحون لأنها لهم خلقت، وغيرهم إذا حصل معهم في الجنة فعلى وجه التبع، فأما أرض الدنيا فلأنها للصالح وغير الصالح. وأما ثالثا: فلأن هذه الأرض مذكورة عقيب الإعادة وبعد الإعادة الأرض التي هذا وصفها لا تكون إلا الجنة. وأما رابعا: فقد روى في الخبر أنها أرض الجنة فإنها بيضاء نقية. وثانيها: أن المراد من الأرض أرض الدنيا فإنه سبحانه وتعالى سيورثها المؤمنين في الدنيا وهو قول الكلبي وابن عباس في بعض الروايات ودليل هذا القول قوله سبحانه: * (وعد الله الذين آمنوا) * إلى قوله: * (ليستخلفنهم في الأرض) * (النور: 55) وقوله تعالى: * (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) * (الأعراف: 128). وثالثها: هي الأرض المقدسة يرثها الصالحون، ودليله قوله تعالى؛ * (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) * (الأعراف: 137) ثم بالآخرة يورثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام.
أما قوله تعالى: * (إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) * فقوله هذا إشارة إلى المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة والبلاغ الكفاية وما تبلغ به البغية وقيل في العابدين إنهم العالمون وقيل بل العاملون والأولى أنهم الجامعون بين الأمرين، لأن العلم كالشجر والعمل كالثمر، والشجر بدون الثمر غير مفيد، والثمر بدون الشجر غير كائن.
أما قوله تعالى: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: أنه عليه السلام كان رحمة في الدين وفي الدنيا، أما في الدين فلأنه عليه السلام بعث والناس في جاهلية وضلالة، وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم فبعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب، فدعاهم إلى الحق وبين لهم سبيل الثواب، وشرع لهم الأحكام وميز الحلال من الحرام، ثم إنما ينتفع بهذه الرحمة من كانت همته طلب الحق فلا يركن إلى التقليد ولا إلى العناد والاستكبار وكان التوفيق قرينا له قال الله تعالى: * (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) * إلى قوله: * (وهو عليهم عمى) * (فصلت: 44) وأما في الدنيا فلأنهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب ونصروا ببركة دينه. فإن قيل: كيف كان رحمة وقد جاء بالسيف واستباحة الأموال؟ قلنا: الجواب من وجوه: أحدها: إنما جاء بالسيف لمن استكبر وعاند ولم يتفكر ولم يتدبر، ومن أوصاف الله الرحمن الرحيم، ثم هو منتقم من العصاة. وقال: * (ونزلنا من السماء ماء مباركا) * (ق: 9) ثم قد يكون سببا للفساد. وثانيها: أن كل نبي قبل نبينا كان إذا كذبه قومه أهلك الله المكذبين بالخسف والمسخ والغرق وأنه تعالى أخر عذاب من كذب رسولنا إلى الموت أو إلى القيامة قال تعالى: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * (الأنفال: 33) لا يقال: أليس أنه تعالى قال: * (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) * (التوبة: 14) وقال تعالى: * (ليعذب الله المنافقين والمنافقات) * (الأحزاب: 73) لأنا نقول تخصيص العام لا يقدح فيه. وثالثها: أنه عليه السلام كان في