يدعني إلى ما فعلته أحد غيري بل اتبعت هواي فيه، ثم إن موسى عليه السلام لما سمع ذلك من السامري أجابه بأن بين حاله في الدنيا والآخرة وبين حال إلهه أما حاله في الدنيا فقوله: * (فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) * وفيه وجوه: أحدها: أن المراد: أني لا أمس ولا أمس قالوا: وإذا مسه أحد حم الماس والمسوس فكان إذا أراد أحد أن يمسه صاح خوفا من الحمى وقال لا مساس. وثانيها: أن المراد بقوله: * (لا مساس) * المنع من أن يخالط أحدا أو يخالطه أحد وقال مقاتل: إن موسى عليه السلام أخرجه من محلة بني إسرائيل وقال له: اخرج أنت وأهلك فخرج طريدا إلى البراري، اعترض الواحدي عليه فقال الرجل: إذا صار مهجورا فلا يقول هو لا مساس وإنما يقال له ذلك، وهذا الاعتراض ضعيف لأن الرجل إذا بقي طريدا فريدا فإذا قيل له: كيف حالك فله أن يقول لا مساس أي لا يماسني أحد ولا أماس أحدا، والمعنى إني أجعلك يا سامري في المطرودية بحيث لو أردت أن تخبر غيرك عن حالك لم تقل إلا أنه لا مساس وهذا الوجه أحسن وأقرب إلى نظم الكلام من الأول. وثالثها: ما ذكره أبو مسلم وهو أنه يجوز في حمله ما أريد مسي النساء فيكون من تعذيب الله إياه انقطاع نسله فلا يكون له ولد يؤنسه فيخليه الله تعالى من زينتي الدنيا اللتين ذكرهما بقوله: * (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) * (الكهف: 46) وقرئ لا مساس بوزن فجاز وهو اسم علم للمرة الواحدة من المس، وأما شرح حاله في الآخرة فهو قوله: * (وإن لك موعدا لن تخلفه) * والموعد بمعنى الوعد أي هذه عقوبتك في الدنيا ثم لك الوعد بالمصير إلى عذاب الآخرة فأنت ممن خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، قرأ أهل المدينة والكوفة: لن تخلفه بفتح اللام أي لن تخلف ذلك الوعد أي سيأتيك به الله ولن يتأخر عنك وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن بكسر اللام أي تجيء إليه ولن تغيب عنه ولن تتخلف عنه وفتح اللام اختيار أبي عبيد كأنه قال: موعدا حقا لا خلف فيه وعن ابن مسعود: لن نخلفه بالنون فكأنه عليه السلام حكى قول الله تعالى بلفظه كما مر بيانه في قوله: * (لأهب لك) * (مريم: 19) وأما شرح حال إلهه فهو قوله: * (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا) * قال المفضل في ظلت: إنه يقرأ بفتح الظاء وكسرها وكذلك: * (فظلتم تفكهون) * (الواقعة: 65) وأصله ظللت فحذفت اللام الأولى وذلك إنما يكون إذا كانت اللام الثانية ساكنة تستحب العرب طرح الأولى ومن كسر الظاء نقل كسرة اللام الساقطة إليها ومن فتحها ترك الظاء على حالها وكذلك يفعلون في المضاعف يقولون: مسته ومسسته ثم قال: * (لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) * وفي قوله: * (لنحرقنه) * وجهان. أحدهما: المراد إحراقه بالنار وهذا أحد ما يدل على أنه صار لحما ودما، لأن الذهب لا يمكن إحراقه بالنار، وقال السدي: أمر موسى عليه السلام بذبح العجل فذبح فسال منه الدم ثم أحرق ثم نسف رماده وفي حرف ابن مسعود لنذبحنه ولنحرقنه وثانيهما لنحرقنه أي لنبردنه بالمبرد، يقال: حرقه يحرقه إذا برده وهذه القراءة تدل على أنه لم ينقلب لحما ولا دما فإن ذلك لا يصح أن يبرد بالمبرد، ويمكن أن يقال: إنه صار لحما فذبح ثم بردت عظامه بالمبرد
(١١٢)