وإن مالك للمرتجى إن تضعضعت * رحا الحرب أو دارت على خطوب وقال آخر: إن القوم والحي الذي أنا منهم * لأهل مقامات وشاء وجامل الجامل جمع جمل، ثم من العرب من يعمل إن ناقصة كما يعملها تامة اعتبارا بكان فإنها تعمل وإن نقصت في قولك: لم يكن لبقاء معنى التأكيد، وإن زال الشبه اللفظي بالفعل لأن العبرة للمعنى، وهذه اللغة تدل على أن العبرة في باب الإعمال الشبه المعنوي بالفعل وهو إثبات التوكيد دون الشبه اللفظي كما أن التعويل في باب كان على المعنى دون اللفظ لكونه فعلا محضا، وأما اللغة الظاهرة وهي ترك إعمال إن الخفيفة دالة على أن الشبه اللفظي في إن الثقيلة أحد جزأي العلة في حق عملها وعند الخفة زال الشبه فلم تعمل بخلاف السكون فإنه عامل بمعناه لكونه فعلا محضا ولا عبرة للفظه.
المسألة الثانية: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر ما أسروه من النجوى حكى عنهم ما أظهروه ومجموعه يدل على التنفير عن موسى عليه السلام ومتابعة دينه. فأحدها: قولهم: * (هذان لساحران) * وهذا طعن منهم في معجزات موسى عليه السلام ثم مبالغة في التنفير عنه لما أن كل طبع سليم يقتضي النفرة عن السحر وكراهة رؤية الساحر، ومن حيث إن الإنسان يعلم أن السحر لا بقاء له فإذا اعتقدوا فيه السحر قالوا: كيف نتبعه فإنه لا بقاء له ولا لدينه ولا لمذهبه. وثانيها: قوله: * (يريدان أن يخرجاكم من أرضكم) * وهذا في نهاية التنفير لأن المفارقة عن المنشأ، والمولد شديدة على القلوب، وهذا هو الذي حكاه الله تعالى عن فرعون في قوله: * (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) * (طه: 57) وكأن السحرة تلقفوا هذه الشبهة من فرعون ثم أعادوها. وثالثها: قوله: * (ويذهبا بطريقتكم المثلى) * وهذا أيضا له تأثير شديد في القلب فإن العدو إذا جاء واستولى على جميع المناصب والأشياء التي يرغب فيها فذلك يكون في نهاية المشقة على النفس فهم ذكروا هذه الوجوه للمبالغة في التنفير عن موسى والترغيب في دفعه وإبطال أمره وههنا بحثان:
البحث الأول: قال الفراء: الطريقة الرجال الأشراف الذين هم قدوة لغيرهم يقال هم طريقة قومهم، ويقال للواحد أيضا: هو طريقة قومه، وجعل الزجاج الآية من باب حذف المضاف أي ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، وعلى التقديرين، فالمراد أنهم كانوا يحرضون القوم بأن موسى وهارون عليهما السلام يريدان أن يذهبا بأشراف قومكم وأكابركم وهم بنوا إسرائيل لقول موسى عليه السلام: * (أرسل معنا بني إسرائيل) * (الشعراء: 17) وإنما سموا بني إسرائيل بذلك لأنهم كانوا أكثر القوم يومئذ عددا وأموالا ومن المفسرين من فسر الطريقة المثلى بالدين سموا دينهم بالطريقة المثلى: * (وكل حزب بما لديهم فرحون) * (الروم: 32) ومنهم من فسرها بالجاه والمنصب والرياسة.
البحث الثاني: * (المثلى) * مؤنثة لتأنيث الطريقة، واختلفوا في أنه لم سمى الأفضل بالأمثل