* (إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الهاء في قوله: * (إنه) * ضمير الشأن يعني أن الأمر والشأن كذا وكذا. المسألة الثانية: استدلت المعتزلة بهذه الآية في القطع على وعيد أصحاب الكبائر قالوا: صاحب الكبيرة مجرم وكل مجرم فإن له جهنم لقوله: * (إنه من يأت ربه مجرما) * وكلمة من في معرض الشرط تفيد العموم بدليل أنه يجوز استثناء كل واحد منها والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل، واعترض بعض المتكلمين من أصحابنا على هذا الكلام، فقال: لا نسلم أن صاحب الكبيرة مجرم والدليل عليه أنه تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن فإنه قال في هذه الآية: * (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات) * وقال: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * (المطففين: 29) وأيضا فإنه قال: * (فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) * والمؤمن صاحب الكبيرة وإن عذب بالنار لا يكون بهذا الوصف، وفي الخبر الصحيح: " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ". واعلم أن هذه الاعتراضات ضعيفة، أما قوله: إن الله تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن فهذا مسلم لكن هذا إنما ينفع لو ثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن، ومذهب المعتزلة أنه ليس بمؤمن فهذا المعترض كأنه بنى هذا الاعتراض على مذهب نفسه وذلك ساقط، قوله ثانيا: إنه لا يليق بصاحب الكبيرة أن يقال في حقه: إن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى، قلنا: لا نسلم فإن عذاب جهنم في غاية الشدة قال تعالى: * (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * (آل عمران: 192) وأما الحديث فيقال: " القرآن متواتر فلا يعارضه خبر الواحد ". ويمكن أن يقال: ثبت في أصول الفقه أنه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد وللخصم أن يجيب فيقول ذلك يفيد الظن فيجوز الرجوع إليه في العمليات، وهذه المسألة ليست من العمليات بل من الاعتقادات، فلا يجوز المصير إليها ههنا. فإن اعترض إنسان آخر، وقال: أجمعنا على أن هذه الآية مشروطة بنفي التوبة وبأن لا يكون عقابه محبطا بثواب طاعته والقدر المشترك بين الصورتين هو أن لا يوجد ما يحبط ذلك العقاب ولكن عندنا العفو محبط للعقاب، وعندنا أن المجرم الذي لا يوجد في حقه العفو لا بد وأن يدخل جهنم، واعلم أن هذا الاعتراض أيضا ضعيف أما شرط نفي التوبة فلا حاجة إليه لأنه قال: * (من يأت ربه مجرما) * أي حال كونه مجرما والتائب لا يصدق عليه أنه أتى ربه حال كونه مجرما. وأما صاحب الصغيرة فلأنه لا يسمى مجرما لأن المجرم اسم للذم فلا يجوز إطلاقه على صاحب الصغيرة، بل الاعتراض الصحيح أن نقول: عموم هذا الوعيد معارض بما جاء بعده من عموم الوعد وهو قوله تعالى: * (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) * وكلامنا فيمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة ثم أتى بعد ذلك ببعض الكبائر. فإن قيل: عقاب المعصية يحبط ثواب الطاعة، قلنا: لم لا يجوز أن يقال: ثواب الإيمان يدفع عقاب المعصية فإن قالوا: لو كان كذلك لوجب أن لا يجوز لعنه وإقامة الحد عليه. قلنا: أما اللعن الغير جائز عندنا، وأما إقامة الحد عليه فقد تكون على سبيل المحنة كما في حق التائب وقد تكون