فخاف فلما قيل له: * (ألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا) * ألقى موسى عصاه فإذا هي أعظم من حياتهم ثم أخذت تزداد عظما حتى ملأت الوادي ثم صعدت وعلت حتى علقت ذنبها بطرف القبة ثم هبطت فأكلت كل ما عملوا في الميلين والناس ينظرون إليها لا يحسبون إلا أنه سحر ثم أقبلت نحو فرعون لتبتلعه فاتحة فاها ثمانين ذراعا فصاح بموسى عليه السلام فأخذها فإذا هي عصى كما كانت ونظرت السحرة فإذا هي لم تدع من حبالهم وعصيهم شيئا إلا أكلته فعرفت السحرة أنه ليس بسحر وقالوا أين حبالنا وعصينا لو لم تكن سحرا لبقيت فخروا سجدا وقالوا: * (آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون) * (الأعراف: 121، 122).
المسألة الثانية: اختلفوا في عدد السحرة قال القاسم بن سلام: كانوا سبعين ألفا مع كل واحد عصا وحبل. وقال السدي: كانوا بضعة وثلاثين ألفا مع كل واحد عصا وحبل، وقال وهب: كانوا خمسة عشر ألفا، وقال ابن جريج وعكرمة كانوا تسعمائة: ثلثمائة من الفرس وثلثمائة من الروم وثلثمائة من الإسكندرية. وقال الكلبي: كانوا اثنين وسبعين ساحرا اثنان منهم من القبط وسبعون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على ذلك، واعلم أن الاختلاف والتفاوت واقع في عدد كثير وظاهر القرآن لا يدل على شيء منه والأقوال إذا تعارضت تساقطت. المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف ": يقال في إذا هذه إذا المفاجأة والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن تكون ناصبا فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير فتقدير قوله تعالى: * (فإذا حبالهم وعصيهم) * ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي اه.
المسألة الرابعة: قرىء عصيهم بالضم وهو الأصل والكسر اتباع نحو دلي ودلي وقسي وقسي وقرئ تخيل بالتاء المنقوطة من فوق بإسناد الفعل إلى الحبال والعصي وقرئ بالضم بالياء المنقطة من تحت بإسناد الفعل إلى الكيد والسحر وقال الفراء أي يخيل إليه سعيها.
المسألة الخامسة: الهاء في قوله: * (يخيل إليه) * كناية عن موسى عليه السلام والمراد أنهم بلغوا في سحرهم المبلغ الذي صار يخيل إلى موسى عليه السلام أنها تسعى كسعي ما يكون حيا من الحيات لا أنها كانت حية في الحقيقة ويقال إنهم حشوها بما إذا وقعت الشمس عليه يضطرب ويتحرك. ولما كثرت واتصل بعضها ببعض فمن رآها كان يظن أنها تسعى، فأما ما روي عن وهب أنهم سحروا أعين الناس وعين موسى عليه السلام حتى تخيل ذلك مستدلا بقوله تعالى: * (فلما ألقوا سحروا أعين الناس) * (الأعراف: 116) وبقوله تعالى: * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * فهذا غير جائز لأن ذلك الوقت وقت إظهار المعجزة والأدلة وإزالة الشبهة فلو صار بحيث لا يميز الموجود عن الخيال الفاسد