ذلك الأمر في الحقيقة هو الله سبحانه لا غير. وإذا ثبت هذا الأصل تفرعت عليه مسائل: إحداها: أنه لا إله إلا الله إذ لو حصل إلهان لكان الإله الثاني خالقا ومدبرا، وذلك يناقض مدلول هذه الآية في تخصص الخلق بهذا الواحد. وثانيها: أنه لا تأثير للكواكب في أحوال هذا العالم، وإلا لحصل خالق سوى الله، وذلك ضد مدلول هذه الآية. وثالثها: أن القول بإثبات الطبائع، وإثبات العقول والنفوس على ما يقوله الفلاسفة وأصحاب الطلسمات باطل، وإلا لحصل خالق غير الله. ورابعها: خالق أعمال العباد هو الله، وإلا لحصل خالق غير الله. وخامسها: القول بأن العلم يوجب العالمية والقدرة توجب القادرية باطل. وإلا لحصل مؤثر غير الله، ومقدر غير الله، وخالق غير الله، وإنه باطل.
المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن كلام الله قديم. قالوا: إنه تعالى ميز بين الخلق وبين الأمر، ولو كان الأمر مخلوقا لما صح هذا التمييز. أجاب الجبائي: عنه بأنه لا يلزم من أفراد الأمر بالذكر عقيب الخلق أن لا يكون الأمر داخلا في الخلق فإنه تعالى قال: * (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) * (الحجر: 1) وآيات الكتاب داخلة في القرآن وقال: * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) * (النحل: 90) مع أن الإحسان داخل في العدل وقال: * (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * (البقرة: 98) وهما داخلان تحت الملائكة. وقال الكعبي: إن مدار هذه الحجة على أن المعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه، فإن صح هذا الكلام بطل مذهبكم لأنه تعالى قال: * (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته) * (الأعراف: 158) فعطف الكلمات على الله فوجب أن تكون الكلمات غير الله وكل ما كان غير الله فهو محدث مخلوق، فوجب كون كلمات الله محدثة مخلوقة. وقال القاضي: أطبق المفسرون على أنه ليس المراد بهذا الأمر كلام التنزيل، بل المراد به نفاذ إرادة الله تعالى لأن الغرض بالآية تعظيم قدرته، وقال آخرون: لا يبعد أن يقال: الأمر وإن كان داخلا تحت الخلق إلا أن الأمر بخصوص كونه أمرا يدل على نوع آخر من الكمال والجلال فقوله: * (له الخلق والأمر) * معناه: له الخلق والإيجاد في المرتبة الأولى، ثم بعد الإيجاد والتكوين فله الأمر والتكليف في المرتبة الثانية، ألا ترى أنه لو قال له الخلق وله التكليف وله الثواب والعقاب، كان ذلك حسنا مفيدا مع أن الثواب والعقاب داخلان تحت الخلق فكذا ههنا. وقال آخرون: معنى قوله: * (ألا له الخلق والأمر) * هو أنه إن شاء خلق وإن شاء لم يخلق فكذا قوله: * (والأمر) * يجب أن يكون معناه: أنه إن شاء أمر وإن شاء لم يأمر، وإذا كان حصول الأمر متعلقا بمشيئته لزم أن يكون ذلك الأمر مخلوقا كما أنه لما كان حصول المخلوق متعلقا بمشيئته كان مخلوقا، أما لو كان أمر الله قديما لم يكن