يكون المسمى بالحيز والجهة بعدا وامتداد، والحاصل فيه أيضا يجب أن يكون له في نفسه بعد وامتداد، وإلا لامتنع حصوله فيه، وحينئذ يلزم تداخل البعدين، وذلك محال للدلائل الكثيرة، المشهورة في هذا الباب، وأيضا فيلزم من كون الباري تعالى قديما أزليا كون الحيز والجهة أزليين، وحينئذ يلزم أن يكون قد حصل في الأزل موجود قائم بنفسه سوى الله تعالى، وذلك بإجماع أكثر العقلاء باطل.
وأما بيان فساد القسم الثاني: فهو من وجهين: أحدهما: أن العدم نفي محض، وعدم صرف، وما كان كذلك امتنع كونه ظرفا لغيره وجهة لغيره. وثانيهما: أن كل ما كان حاصلا في جهة فجهته ممتازة في الحس عن جهة غيره، فلو كانت تلك الجهة عدما محضا لزم كون العدم المحض مشارا إليه بالحس، وذلك باطل، فثبت أنه تعالى لو كان حاصلا في حيز وجهة لأفضى إلى أحد هذين القسمين الباطلين، فوجب أن يكون القول به باطلا.
فإن قيل: فهذا أيضا وارد عليكم في قولكم: الجسم حاصل في الحيز والجهة.
فنقول: نحن على هذا الطريق لا نثبت للجسم حيزا ولا جهة أصلا البتة، بحيث تكون ذات الجسم نافدة فيه وسارية فيه، بل المكان عبارة عن السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي، وهذا المعنى محال بالاتفاق في حق الله تعالى، فسقط هذا السؤال.
البرهان الرابع: لو امتنع وجود الباري تعالى إلا بحيث يكون مختصا بالحيز والجهة، لكانت ذات الباري مفتقرة في تحققها ووجودها إلى الغير، وكل ما كان كذلك فهو ممكن لذاته ينتج أنه لو امتنع وجود الباري إلا في الجهة والحيز، لزم كونه ممكنا لذاته، ولما كان هذا محالا كان القول بوجوب حصوله في الحيز محالا.
بيان المقام الأول: هو أنه لما امتنع حصول ذات الله تعالى، إلا إذا كان مختصا بالحيز والجهة. فنقول: لا شك أن الحيز والجهة أمر مغاير لذات الله تعالى، فحينئذ تكون ذات الله تعالى مفتقرة في تحققها إلى أمر يغايرها، وكل ما افتقر تحققه إلى ما يغايره، كان ممكنا لذاته. والدليل عليه: أن الواجب لذاته هو الذي لا يلزم من عدم غيره عدمه، والمفتقر إلى الغير هو الذي يلزم من عدم غيره عدمه، فلو كان الواجب لذاته مفتقرا إلى الغير لزم أن يصدق عليه النقيضان، وهو محال. فثبت أنه تعالى لو وجب حصوله في الحيز لكان ممكنا لذاته، لا واجبا لذاته، وذلك محال.
والوجه الثاني: في تقرير هذه الحجة: هو أن الممكن محتاج إلى الحيز والجهة. أما عند من يثبت الخلاء. فلا شك أن الحيز والجهة تتقرر مع عدم التمكن، وأما عند من ينفي الخلاء فلا، لأنه وإن كان معتقدا أنه لا بد من متمكن يحصل في الجهة، إلا أنه لا يقول بأنه لابد لتلك الجهة من متمكن معين،