ببال بعضهم أن ذاك إنما وقع على سبيل الاتفاق، أما إذا حدثت الأشياء على التعاقب والتواصل مع كونها مطابقة للمصلحة والحكمة، كان ذلك أقوى في الدلالة على كونها واقعة بإحداث محدث قديم حكيم، وقادر عليم رحيم.
الوجه الثاني: أنه قد ثبت بالدليل أنه تعالى يخلق العاقل أولا ثم يخلق السماوات والأرض بعده، ثم إن ذلك العاقل إذا شاهد في كل ساعة وحين حدوث شيء آخر على التعاقب والتوالي، كان ذلك أقوى لعلمه وبصيرته، لأنه يتكرر على عقله ظهور هذا الدليل لحظة بعد لحظة، فكان ذلك أقوى في إفادة اليقين.
وأما السؤال الرابع: فجوابه أن ذكر السماوات والأرض في هذه الآية يشتمل أيضا على ذكر ما بينهما، والدليل عليه أنه تعالى ذكر سائر المخلوقات في سائر الآيات فقال: * (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) * وقال: * (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا * الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما) * (الفرقان: 58، 59) وقال: * (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) * (ق: 38).
وأما السؤال الخامس: فجوابه أن المراد أنه تعالى خلق السماوات والأرض في مقدار ستة أيام وهو كقوله: * (لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) * والمراد على مقدار البكرة والعشي في الدنيا لأنه لا ليل ثم ولا نهار.
وأما السؤال السادس: فجوابه أن قوله: * (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) * (القمر: 50) محمول على إيجاد كل واحد من الذوات وعلى إعدام كل واحد منها، لأن إيجاد الذات الواحدة وإعدام الموجود الواحد لا يقبل التفاوت فلا يمكن تحصيله إلا دفعة واحدة، وأما الإمهال والمدة فذاك لا يحصل إلا في المدة.
وأما السؤال السابع: وهو تقدير هذه المدة بستة أيام، فهو غير وارد لأنه تعالى لو أحدثه في مقدار آخر من الزمان لعاد ذلك السؤال، وأيضا قال بعضهم لعدد السبعة شرف عظيم، وهو مذكور في تقرير أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين، وإذا ثبت هذا قالوا: فالأيام الستة في تخليق العالم واليوم السابع في حصول كمال الملك والملكوت. وبهذا الطريق حصل الكمال في الأيام السبعة انتهى.
المسألة الرابعة: في هذه الآية بشارة عظيمة للعقلاء لأنه قال: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) * والمعنى أن الذي يربيكم ويصلح شأنكم ويوصل إليكم الخيرات ويدفع عنكم المكروهات