ويدل على الحاجة إلى الصانع القادر المختار. وثامنها: أن هذه الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهما محدثان، وما لا يخلو عن المحدث فهو محدث، فهذه الأجسام محدثة، وكل محدث فقد حصل حدوثه في وقت معين، وذلك خلق وتقدير ولا بد له من الصانع القادر المختار. وتاسعها: أن الأجسام متماثلة فاختصاص بعضها بالصفات التي لأجلها كانت سماوات وكواكب، والبعض الآخر بالصفات التي لأجلها كانت أرضا أو ماء أو هواء أو نارا لا بد وأن يكون أمرا جائزا، وذلك لا يحصل إلا بتقدير مقدر وتخصيص مخصص وهو المطلوب. وعاشرها: أنه كما حصل الامتياز المذكور بين الأفلاك والعناصر فقد حصل أيضا مثل هذا الامتياز بين الكواكب وبين الأفلاك وبين العناصر، بل حصل مثل هذا الامتياز بين كل واحد من الكواكب، وذلك يدل على الافتقار إلى الفاعل القادر المختار.
واعلم أن الخلق عبارة عن التقدير، فإذا دللنا على أن الأجسام متماثلة وجب القطع بأن كل صفة حصلت لجسم معين، فإن حصول تلك الصفة ممكن لسائر الأجسام، وإذا كان الأمر كذلك كان اختصاص ذلك الجسم المعين بتلك الصفة المعينة خلقا وتقديرا فكان داخلا تحت قوله سبحانه * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) * والله أعلم.
المسألة الثالثة: لسائل أن يسأل فيقول: كون هذه الأشياء مخلوقة في ستة أيام لا يمكن جعله دليلا على إثبات الصانع؟ وبيانه من وجوه: الأول: أن وجه دلالة هذه المحدثات على وجود الصانع هو حدوثها أو إمكانها أو مجموعهما فإما وقوع ذلك الحدوث في ستة أيام أو في يوم واحد فلا أثر له في ذلك البتة. والثاني: أن العقل يدل على أن الحدوث على جميع الأحوال جائز، وإذا كان كذلك فحينئذ لا يمكن الجزم بأن هذا الحدوث وقع في ستة أيام إلا بأخبار مخبر صادق، وذلك موقوف على العلم بوجود الإله الفاعل المختار، فلو جعلنا هذه المقدمة مقدمة في إثبات الصانع لزم الدور. والثالث: أن حدوث السماوات والأرض دفعة واحدة أدل على كمال القدرة والعلم من حدوثها في ستة أيام.
إذا ثبت ما ذكرناه من الوجوه الثلاثة فنقول: ما الفائدة في ذكر أنه تعالى إنما خلقها في ستة أيام في إثبات ذكر ما يدل على وجود الصانع؟ والرابع: أنه ما السبب في أنه اقتصر ههنا على ذكر السماوات والأرض، ولم يذكر خلق سائر الأشياء؟
السؤال الخامس: اليوم إنما يمتاز عن الليلة بسبب طلوع الشمس وغروبها فقبل خلق الشمس والقمر كيف يعقل حصول الأيام؟